منذ زمن قريب كنت وما زلت أقول أن الديربي البيضاوي أضحى سلعة تسويقية لدقائق مركزة على الشعارات والتيفوات وبجمالية مؤقتة ومحمولة على الغضب الساطع من دخلاء الحب الأحمر والأخضر وبصيغ التدنيس الأخلاقي لجيل يحمل صفات الهمجية التي لا يقبلها لا العقل ولا المنطق ..                
منذ زمن قريب، لم يعد الديربي صناعة للفرجة كما كان ذلك في عهد رواد الملاعب الحمراء والخضراء وأسياد مدرسة الموهبة، بل أصبح صناعة للإجرام والشغب وكل الطقوس العدوانية التي لا تمت للرياضة بأي صلة. وأعتقد أن ما عاينته كل الفيديوهات سواء داخل المركب أو خارجه وما التصق بالتعدي على ممتلكات الناس وكل أشكال الإعتداءات أكبر دليل على أن غول المناصرة العدائية للجوار يجر الويلات مثلما يجر في الآن نفسه ويلات المناصرة الهمجية للريال والبارصا هنا في المغرب رغم أنها كرة الآخر وليست كرتنا مع أن أنصار البارصا والريال لا يتمتعان بهذا الأسلوب الهمجي بإسبانيا . 
منذ زمن قريب، كانت الديربيات أقل شغبا من الذي يطالنا اليوم من عبثية وقذارة الأخلاق لبعض الأجيال لأسباب تظل مسكونة في المنبث الأسري أولا قبل أن تصدر إلى الشارع. وعندما يحمل شاب ما مولع بحب أحد الفريقين ودادا أو رجاء سكينا مخفيا ومخدرات وغيرها من أضلاع العنف كما يقدمه الجهاز الأمني في محاضر المشاغبين، أكيد أنه آت للمجزرة والإنتقام وليس للفرجة، وديربي العنف اللفظي والقتالي والتخريبي بهذا المعنى كان من المفروض التحضير له بالوسائل التكنولوجية الحديثة في تفرقة المشاغبين ورفع درجات التعبئة الأمنية في مباراة أصبح منظورها اليوم مباراة حرب بين الدخلاء أو المتعصبين ومباراة منتهية على إيقاع انتظار التعدي اللازم أيا كانت النتيجة .
منذ زمن قريب، كانت هذه البيضاء قمة في الكرة والعالمية واليوم أصبحت فصلا من الرداءة والهزالة داخل الرقعة، وقمة في المدرجات لدقائق قبل أن يتحول هذا العيد إلى مآتم وصراعات جاهلية، والحالة هاته أن من أفسد هذه الأعراس السنوية هي الرجاء والوداد معا ولسبب واحد كنت أنتظر منه حلا لزمن قريب من رواد فن التحليل والمدربين والمسيرين، ولا أحد قال بأن مصيبة الرجاء والوداد معا هي في الإخلال بالمدرسة الخلاقة التي أسكنت قلوب الملايين بما يسمى مدرسة الشياطين الخضر وحتى الحمر، واليوم لا وجود لهذا المنبت الحقيقي في ظل زمن ممسوخ ومقلد للإنتدابات وتشتيت الهوية الرجاوية والودادية بانقلاب المدرسة إلى سوق الدلالة وكما هو متفشي أيضا في جميع الأندية التي أخلت بموازين قواها من منبتها الأصلي كما كان ذلك في الزمن الجميل. فهل أنا خاطئ ؟ 
حقا لست عنصريا هنا في تأكيد ما قلته لأن أي لاعب مغربي يتمنى أن يلعب بقميص الرجاء والوداد، ولكن عظمة الكرة هي أن تلد أسرة الفريق عظماء لذاتها وتصدرها للإحتراف كما كان ذلك نافعا في أكثر المواقف التي جمع فيها المنتخب الوطني أسماء ثقيلة في الميزان من الرجاء والوداد والجيش والنادي القنيطري والكوكب ومولودية وجدة والنادي الـمكناسي واللائحة طويلة. واليوم لا الرجاء ولا الوداد ولا هم يحزنزن يقدم لنا فيلقا من المستوى العالي للديربي والمنتخب الوطني، فكيف يراد من هذا الديربي أن يعطينا الجمالية المتوازنة بين عظمة جمهور التيفوات الخضراء والحمراء وعظمة الرقعة من صناعة رجال الحدث ؟ السؤال مطروح من اليوم لدى من يسيرون أبراج الوداد والرجاء كتاريخ عالـمي لا يمكن أن يكون اليوم ملتصقا بوسخ الشغب، ولو كان للديربي مستواه التقني من الجمالية والعالمية لتفرج هذا الجيل المشاغب على كرة راقية سيفتخر بها بروح عالية وبكل أشكال التكهنات.
للوداد والرجاء تاريخ غير مسموح به اليوم أن يعكر بهذه الدناءة المشاغبة والهزالة الكروية غير المقبولة على الإطلاق، وصناع الفرجة هم المسيرون من ذوي الذهاء الكروي وليس بالفكر الإستثماري، وما دام المال موجود وبهذه الغزارة في انتداب شعب من اللاعبين ومدربين برواتب لم يكن الوداد والرجاء يدفعها سابقا بالشكل المتوفر حاليا، مع أن منتوج الوداد والرجاء من النجوم كان هو الصندوق الأسود للفريقين والمحدد الرئيسي لإحتراف كبار الأسماء التي صنعت المجد البيضاوي أوروبيا ودوليا، فهل وصل الخطاب لبودريقة والناصيري ؟
الكرة البيضاوية في عرفها الجميل تبنت قيم المدرسة المنتجة وقدمت ديربيات خالدة من روادها وكشافيها ومبدعيها ولم يصاحبها الشغب الهمجي بالصورة النمطية التي نعتادها اليوم في ارتفاع درجات الإجرام، ولو عادت حليمة إلى عادتها القديمة وفي مشروع اعتباري للسنوات القادمة أكيد سيعود للرجاء والوداد صولتهما في تقديم الفرجة والألقاب شريطة العودة إلى الأصل وليس لسوق النخاسة وسماسرة الكرة، وشريطة البحث عن رواد مدينة ما يفوق خمسة ملايين من دون أن تقدم لنا خمسة دوليين من كل فريق بأقوى المهاريين، بمعنى أوضح أن تقدم لنا الدار البيضاء نجما لكل مليون نسمة من كل فريق. وبعدها يمكن أن نقول بمشروع العودة إلى الأصل.
وهذه هي الحقيقة كما اعتادها قلمي بمساحيق النقد البناء.