صورة رائعة، أنطولوجية، حسية ووطنية من المستوى الرفيع الذي جسدته جماهير أكادير في تعبئتها المسؤولة للفريق الوطني، وما شاهدناه تلقائيا من الحشد الكبير الذي احتضن أسوده في وديتين متناقضتين أرقاما وقيمة دولية، يؤكد أن هذا الشق الجنوبي من المناصرة الحقة لأسوده مهضوم الحق في استقبال رجاله ونجومه، إلا أن الحقيقة التي أبانت شراهة الحب العذري السوسي لفريقه الوطني هو هذه المعلمة التاريخية لمركب رياضي شكل الإستثناء للمنطقة المحرومة من البنيات التحتية الضخمة، وأيضا حماسة الجمهور لمعانقة رجاله ونجومه بذات الحق الذي لازم لسنين طويلة ملعبي مركب محمد الخامس بالدار البيضاء ومركب الأمير مولاي عبد الله وأحيانا مركب مراكش وطنجة وفاس، وما قدمه الجمهور السوسي في حبه اللامشروط لمنتخبه وتحفته شكل الإستثناء الكبير في المناصرة رغم المحنة التي يمر منها المغرب أمام العقوبات المنتظرة حول إقصائه من كأس إفريقيا الحالية والقادمة بداعي طلب تأجيله للكان، ورغم هذه المحنة كان لحضور الفريق الوطني بكامل نجومه دفعة معنوية له من خلال ما استشعره من ردات الدعم الكبير الذي لقيه قبل وأثناء كل التفاصيل الدقيقة التي سيطرت على واجهتين من العرض الكبير والمقاومة والإرادة المطروحة للنصر أمام كل من البنين وزيمبابوي برغم اختلاف قيمة الخصمين، وما زاد سخاء هاتين الواجهتين وبالأحرى واجهة المباراة الثانية أمام زيمبابوي هو الإستثناء الذي لا يقدر بثمن عندما كان المنتخب المغربي متعثرا بهدف نظيف، وقتها لم يتوقف الجمهور السوسي عن المناصرة، بل واصل دعمه برغم الودية التي لا تحسب فيها النتيجة على الإطلاق بقدر ما تعالج مثل هذه المباريات كثيرا من التفاصيل الصغيرة من الأخطاء، ومع ذلك غير الجمهور السوسي هذه النظرة وأشعل مناصرته الحقة لأنه كان بالفعل يرى في أسوده منتخبا لا يقهر حتى في عز الخسارة، وهذا ما أسعدنا جميعا في نوعية المناصرة المختلفة بين جماهير المملكة، لكنها بأكادير وضعت الفريق الوطني في هودج التألق وإرادة الفوز لا إرادة الإحباط عندما يكون منهزما في مدن أخرى ولا يلقى الدعم النفسي، ونرجو الله خيرا في أن يتمتع جمهور المغرب بهذه الخاصية الروحية لحب منتخب بلاده لأنه حامل لزيه ورمزه ووطنيته.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
وما قدمه أسود الأطلس في البروفتين المختلفتين في القيمة والأعمار بين البنين وزيمبابوي، شكل النوايا الحقيقية لفريق تكاملي وصل إلى درجة عالية من السخاء والجماعية والتجانس وإرادة الفوز والعمق في الأداء والأسلوب مواكبة مع درجات الإرتقاء التي رسمها في مجموع اللقاءات الودية التي تدرج فيها الناخب الوطني في الإختيارات والتوظيفات ومنح الكل صفة التنافسية والأحكام المطلقة على كل لاعب مؤهل لأن يرسم مكانه الطبيعي بالمنتخب الوطني، وما قاد الزاكي إلى هذا البناء السريع لفريق وطني نؤمن جميعا بأنه يملك من الآن ارتياحا في النواة الصلبة التي تعود عليها الجمهور المغربي في الآونة الأخيرة، هو وصوله إلى درجة التفاؤل بقدرات منتخب كبير لا يتشكل فقط من أمهر دولييه، ولكن في صيغة هذه الروح المسؤولة لديه في صناعة النتيجة والفرجة والإنسياب وإرادة النصر والحماسة الجامعة بين كل الأطراف بعيدا عن التكثلات السابقة والتشتث الذي ساده بعد 2004، والفريق الوطني الذي كان يبني هذا الفضاء من الإختيارات والقناعات والروح التي جسدها بعد معرفته المسبقة بإقصائه من نهائيات كان هو من سينظمها، لم يهزم نفسه بعد هذه التداعيات، بل قدم جسور وحدة الجماعة وفاز بكل شيء وقدم للكاف معنى لودياته وحضور جماهيره وقوة بنياته التحتية كإشارة واضحة لعمل كبير في زمن قياسي وصل إليه أيضا في حدث أريد له أن يكسر ما بني أصلا لأسباب يعرفها العام والخاص.
اليوم نحن في منعرج البحث عن مخرج لتطمين مستقبل هذا المنتخب الذي بني في مرحلة دقيقة وحرجة أمام ناخب وطني آمن بدرجة تقديم أسطول كبير من الدوليين في زمن قياسي، ونرجو الله خيرا في أن تكون العقوبات جد يسيرة من أجل العودة إلى حظيرة المنافسات شريطة أن يدافع عن الملف أخصائيون في مجال القانون، مع أن الكثير من الدخلاء يطرحون الحلول في غير محلها، ونرجو الله أن يبعد عنا الحاقدين والسفهاء وشر من يكره هذا البلد التي حباه الله بالرجال في كل المواقع، وحصنه أيضا بقوة الرجال وشهامة المغربي الذي يموت في حب بلده وحب الشعوب.