ما شاهده العالم من حفاوة استقبال وفخامة ترحيب من المغرب بضيفه الكبير، فخامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو يقوم بزيارة دولة للمملكة المغربية الشريفة بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، مشهد بالغ الرقي، في تعبيراته الدالة على العراقة، وفي الرسائل الإنسانية التي يبعث بها لكل العالم، والرمزيات التي يحكي عنها للإنسانية جمعاء.
هي زيارة تصل الزمن الحالي للعلاقات المغربية الفرنسية بأزمنة ضاربة في عمق التاريخ، تروي عن مشتركات كثيرة ربطت بين البلدين، إن ساد الجفاء لحظات من هذا الزمن، ترك العمق التاريخي حبل الود موصولا، فكانت أزمنة الوفاق والإتفاق محكومة بالأيادي الممدودة وبالعهود المحفوظة وبالمواثيق التي تظهر في أوقات الشدة تلاحما مبهرا بين القيادتين والشعبين المغربي والفرنسي.
وهي زيارة تؤكد للقاصي والداني، بخاصة لمن جعلوا من الإختلاف مستنقعا، هم من استحموا بوساخته، أن خيط الود والمودة والتواصل بين المغرب وفرنسا أمتن وأقوى من أن تؤثر عليه عاديات الزمن، فما اكتساه الإستقبال من فخامة ورقي، وما خص به المغرب ملكا وشعبا وقوى حية، الرئيس الفرنسي من سمو في الإستضافة، وما حفلت به الزيارة من توقيع على عشرات الإتفاقيات والمواثيق، التي تضع للمستقبل خارطة عمل ونضال مشترك، يؤكد أن المغرب وفرنسا يجمعهما في التاريخ والجغرافيا وهندسة المستقبل على الثوابت الأزلية، أكثر مما يفرقهما.
وقد كانت كلمة فخامة الرئيس ماكرون أمام نواب ومستشاري الأمة، صورة من المواقف الجريئة والشجاعة التي ما فتئت فرنسا تعبر عنها، دعما وانتصارا لمصالح المغرب وقضاياه الكبرى، فلم يكتف الرئيس الفرنسي، بأن جدد دعم بلاده لسيادة المغرب على صحرائه، عندما قال: «حاضر ومستقبل هذه المنطقة لن يكون إلا تحت السيادة المغربية»، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك قاطعا كل شك باليقين، ليقول «الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، هو الذي يجب أن يتم به حل هذه القضية في إطار واقعي مستدام، وهو موقف ستفعّله فرنسا وتواكبه في الهيئات الدولية»، وهو ما يعني أن فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن ستترافع أمام المنتظمات العالمية لإقناع العالم بأن الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية على صحرائه هو الخيار الوحيد والموثوق لإنهاء النزاع المفتعل.
وكان من اللحظات القوية لخطاب فخامة الرئيس ماكرون تحت قبة البرلمان، تذكيره بما خلد في ذاكرته وذاكرة المغاربة والفرنسيين، عندما إلتقى المنتخب المغربي نظيره الفرنسي في نصف نهائي تاريخي لكأس العالم قطر 2022، لقاء حضره الرئيس الفرنسي، وحرص بعده على النزول لأرضية الملعب لتهنئه لاعبي منتخب بلاده ببلوغ نهائي المونديال وتهنئة أسود الأطلس على مشوارهم البطولي بكأس العالم، وطبعا ما نسي الرئيس الفرنسي الأعداد الكبيرة من اللاعبين المغاربة الذين ينشطون بفرنسا، ليقول عنهم «إنهم يصنعون أحلام الأندية الفرنسية ومنهم من صالح نادي باريس سان جيرمان بنادي أولمبيك مارسيليا».
ولأن طريق العمل المشترك ستصبح بعد اليوم، بفعل ما يسود علاقات المغرب من وفاق، فسيحة ومحفزة للسفر الثنائي بعزم لا يلين، فإن الرياضة وبخاصة كرة القدم يجب أن تحضر بقوة في بناء البلدين لمنظومة التعاون الجديدة، فنحن بحاجة لخبرة فرنسا في تدبير رياضة المستوى العالي وفي ترسيخ قيم الرياضة في النسيج المجتمعي بل وتفعيل دورها في استدامة التنمية بمختلف أوجهها، كما أننا بحاجة لنحتفل بهذا العهد الجديد في علاقتنا بفرنسا، لأن نطلق مباراة سوبر في كرة القدم تجمع نهاية كل موسم رياضي بين بطل فرنسا وبطل المغرب، احتفالا بالعراقة وبالمشترك بين بلدين هما لتاريخ الإنسانية أكبر الفرسان.