بدون سابق إشعار، ومن دون سابق تريث واستباقية للتداعيات المحتملة، طلعت علينا العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية ببيان، ما رأت من خلاله سبيلا لمصادرة الإحتقان وتهدئة الخواطر والربط على الصدور، سوى أن تعيد مسؤولي ومدربي «بعض الأندية» إلى الصف، وقد قويت احتجاجاتهم على الأخطاء التحكيمية التي تصدرت مشهد بعض المباريات، وتزايد امتعاضهم من إعصار الويكلو الذي يقتص من الأندية ماديا بشكل رهيب.
في سياقات أخرى، كان سيبدو هذا البيان ردا صريحا من جهاز وصي على مزايدات أو احتجاجات أو حتى تحريضات لا تتطابق مع الحالات المسجلة، لكن أن يتصادف هذا البيان مع تصاعد أصوات الإحتجاج في كل مكان، فلا حاجة أبدا لأن نظن بأن مسؤولي الأندية ومدربيها يؤججون الوضع بتصريحاتهم، والحال أن الوضع مؤجج من يومه.
بدا الأمر أشبه ما يكون بدعوة لابتلاع الألسنة أكثر منها دعوة لضبط النفس، ومصادرة للحق في التعبير أكثر منها رفع اللاءات في وجه من يتطاولون ويزايدون ويبالغون في الإحتجاج، ولأن جهاز العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية له من أدوات المتابعة ولجان التقصي والأخلاقيات، ما يعطيه مطلق الحق في مواجهة أي تجاوز للخطوط الحمراء، بل ويلزمه بالحفاظ للمشهد الكروي على نقاوته، فإن جهاز العصبة ما كان بحاجة لهذه اللغة المتشددة التي برزت في البيان، وما كان أصلا بحاجة إلى بلاغ يصب الماء على النار.
إن بدا لنا جميعا أن بعض الأندية تتضرر من قرارات تحكيمية، فلا مجال أبدا للحديث عن نظرية المؤامرة التي تحضر عند كل تظلم، وكان على العصبة الإحترافية من منطلق الوصاية، أن تذهب إلى التقليل من حجم هذه الأخطاء التي ترتكب في العادة، كلما فسحت مديرية التحكيم المجال لجيل جديد من الحكام، يحتاج إلى مباريات لكي يراكم التجربة والخبرة، وأن تطلع علينا جميعا ببيان يحيط علما بالملابسات والسياقات وحتى الإكراهات، ويدعو إلى تكافل جماعي لتجاوز تداعيات التشكل الجديد لجهاز التحكيم.
ولا تستطيع العصبة الإحترافية أن تنكر هذا الإجماع الحاصل بيننا، على بؤس مشهد البطولة الإحترافية وكثير من مبارياتها تلعب أمام مدرجات فارغة، ويصبح المشهد مدعاة للإحتجاج والتذمر عندما لا تُعامَل كل المباريات بنفس درجة «الإحتياط الأمني» الذي تشهره السلطات سببا لفرض الويكلو.
ولم تكن العصبة بحاجة للتأكيد عند دفوعاتها على مشهد الإحتجاج المفرط، أن كرة القدم الوطنية تعيش على وقع الإغلاق المبرمج لكثير من الملاعب، في ضوء الإستعداد لاستقبال النسخة القادمة لكأس إفريقيا للأمم، فلا فريق ارتفع صوته معترضا على هذا الإكراه، ولا مسؤول عارض الإجماع الوطني، أو لم يغلب مصلحة البلاد فيما فرضته الظروف، لكن كان على العصبة الإحترافية التي يفترض فيها أن تكون المدافع الشرس عن مصالح الأندية الموجودة تحت وصايتها، وأن تكون صوت الحكمة الذي يرتفع لمواجهة أي صدع، أن تجمع رؤساء ومدربي الأندية على طاولة النقاش والتداول، لتضعهم أمام استثنائية المرحلة، ولربما تذهب بعيدا في إبداع الحلول للتخفيف من وجع الهجرة المفروضة، والحيلولة دون استشراء آفة الويكلو التي تتلف الفرجة والمال وحتى المآل.
«غضبة» العصبة، تأكيد على أن من يرتفع عادة ضغطهم لا يجب أن يكونون في غرفة القيادة!!