هل بقي هناك من كلام نقوله أو نكتبه، إزاء هذا الذي يُفعل بديربي الدار البيضاء بين الوداد والرجاء، العرس الكروي الذي كنا به نباهي العالم ونتفاخر؟ إن كان هناك ما يصدق من وصف على النسخة من ديربي المغرب بين الكبيرين، الذي سيفتتح العام الجديد، وهو يُرحَّل أولا صوب ملعب البشير بالمحمدية، ثم يحكم عليه ثانيا، بأن يجري أمام مدرجات ستفرغ من حماستها ورونقها وإبداعاتها، فهو ديربي البؤس، وما كان ينبغي في هذا الزمن تحديدا أن يتصف الديربي بالبؤس، بؤس المشهد الذي سيحكمه الأربعاء القادم، حيث لن يغطي على أصوات اللاعبين والمدربين المترنحة، إلا نعيق البوم التي تعشش في زوايا هذا الملعب الأثري.

أستطيع أن أفهم أننا نعيش ظرفية خاصة، تحتم كثيرا من نكران الذات وتغليب مصلحة الوطن، والملاعب الكبرى تقفل لإعادة تأهيلها تحسبا للإستحقاق الكروي القاري الذي تستضيفه بلادنا صيف 2025، وأستطيع أن أقبل بكل المبررات التي تسوقها لجنة البرمجة وهذا العطل المفاجئ يصيب البطولة الإحترافية لهذا الموسم عند برمجة قممها، لكنني لا أستطيع أن أفهم إفراغ الديربي من جوهره ولبه ومصادر سحره وألقه، من جماهير الغريمين التي تجعل في العادة من الديربيات، فضاء للتباري في إبداع الرسائل والتيفوهات والرسوم الكاليغرافية.

إن الصورة الكئيبة التي سيخرج بها الديربي في تاريخ الكبيرين الوداد والرجاء، بسبب الإفراغ عن عمد لمدرجات ملعب البشير، ستسائلنا لا محالة عن تدبيرنا لكل هذه الطوارئ، فقد كان حريا بالعصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية، التي عادت مثل حليمة لعادتها القديمة، لتتحفنا ببرمجتها الغريبة والمضطربة، أن تضع الأندية مع بداية كل موسم أمام مسؤولياتها في إيجاد ملاعب بديلة، يلجأ إليها حالما يتم إقفال الملعب الرئيسي، عوض أن نشهد هذا الترحال المضطرب لكل الأندية التي أقفلت ملاعبها لضرورات وطنية، لا مجال للمزايدة عليها، وهي تتسول كل أسبوع ملعب وعطفا وموافقة، وإن أتت الموافقة، أتت مشروطة، كما كان الحال مع الرجاء التي قاطعت جماهيرها المباراة الأخيرة أمام اتحاد طنجة، بملعب البشير، بسبب أن سلطات المحمدية اشترطت حضور 3000 مناصر للرجاء كحد أقصى.

ولئن كان الرجاء الرياضي يدخل هذا الديربي منتعشا بسداسيته القوية أمام اتحاد طنجة الكسير، فإن الوداد يقبل على الديربي الخامس والثلاثين بعد المائة، وهو في أسوإ حالاته الذهنية والرياضية، إذ سجل بآسفي ثالث هزيمة له من أصل 12 مباراة لعبها، وهو مؤشر مقلق بلا أدنى شك، إلا أن ما علمنا إياه الديربي في كل حقبه وأزمنته، أنه يظل باستمرار حالة خاصة، لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيقذفه على الشاطئ، لذلك لا مجال للقول بأن الأمور محسومة. لا خلاف إذا، على أن فرسان الحمر للوداد والنسور الخضر للرجاء، سيقاتلون من أجل جعل محتوى الديربي التقني والتكتيكي والفرجوي أفضل مما كان عليه في السابق، إلا أنه أمام صمت المدرجات وفراغها من نبض الحياة والإبداع، سنعيش واحدا من أفقر الديربيات، وسيأتيكم يوم الأربعاء الدليل على ما أقول.