إن كان قد طلب من أسود الأطلس ومن ربانهم وليد الركراكي، تقديم صك الإطمئنان قبل الغفران في مباراة ليبيريا، بعد الذي حدث في ودية أبيدجان أمام كوت ديفوار من تشويش على صورة الفريق الذي تقدمه الوقائع والإحصائيات كفريق مرشح بقوة للظفر باللقب القاري، فما شاهدناه عند مواجهة النجوم الفريدة في مؤجل الجولة السادسة والأخيرة لتصفيات كأس إفريقيا للأمم، لم يتجاوز بنا جبال التوجس كلها، وإن كان قد جاءنا بما ينبئ أن هناك انتفاضة كبرياء حدثت. كان الأسود أولى من غيرهم، بالشعور بحالة الإنقباض أو الإحتباس التي أصابتهم قبل أن تصيبنا نحن جميعا، وبأن ما قدموه بأبيدجان ينشر الخوف، لذلك كانوا هم الأولى بجعل مباراة ليبيريا برغم ما يباعد بينها وبين مباراة أبيدجان من مسافات، مناسبة لتصحيح ما اختل في الصورة وتقديم الدليل على أن ما كان أمام الأفيال لا يمكن القياس عليه.
وكان وليد الركراكي، في وضع أفضل من غيره، ناقدين ومحللين أو حتى «مشوشين»، لكي يدرك أن ودية كوت ديفوار رمت في بركة الفريق الوطني، حجرا حرك مياه الخوف والإقتناع من أن اللعب بهذا النسق، لن يشفع لنا أبدا بأن نكون منافسين على اللقب الإفريقي، لقب تحت وطأة الإنزعاج مما كان في أبيدجان، جعل وليد الركراكي يقول أنه غير محجوز بالكامل للفريق الوطني، قبل أن يصحح بعد الثلاثية أمام ليبيريا المنطوق والمفهوم، بالعودة للتأكيد على أن المنتخب المغربي سيذهب لكوت ديفوار ليس فقط في ثوب المنافس على اللقب، بل سيذهب للتتويج باللقب، ولابد أن يقولها ولا يخاف في ذلك لومة لائم.
بالقطع لم نمر بين مباراتي كوت يفوار وليبيريا من النقيض إلى النقيض، فكما كان ضربا من الجنون، الجزم بعد ودية أبيدجان أن الأسود خرجوا من جلباب المنافس على اللقب القاري، لمجرد أنهم خرجوا قليلا عن النص، ولم يتمثلوا بالكامل روح المونديال، ولم يستحضروا «نية» مدربهم وليد الركراكي، كما سيكون ضربا من العته القول بأن الفريق الوطني خلال مباراة ليبيريا عاد بالكامل لوعائه السحري، فما شاهدناه يوم القبض على النجوم الفريدة بأكادير، كان شروعا في تصحيح الإختلالات العميقة، ولذلك علاقة بالتغييرات التي أحدثها وليد الركراكي على بنية الفريق بإحداث أربعة تغييرات على وسط الميدان وخط الهجوم، كما لها علاقة بالخطاب الذي توجه به للاعبين بعد ودية كوت ديفوار، والذي اتخذ نبرة التحذير والتهويل وحتى الوعيد، لأن المؤكد أن كأس إفريقيا للأمم لن تربح بهكذا أسلوب، وبهكذا شخصية. والذين يقطعون بل ويجزمون الأحكام في الوديات، وهي في الأصل محكات اختبارية، مهما تقوت وكبرت وتصلبت، فإنها لا تصل بأي حال من الأحوال للمباريات الرسمية، لا يعرف من أسرار كرة القدم شيئا، ولا يعلم من السوابق الشاهدة على نقيض ذلك الشيء الكثير، صحيح أن الوديات اليوم ما عادت هي نفسها قبل 20 سنة، لاعتبارات ومتغيرات لا أريد إعادة سردها، إذ أصبحت اليوم قريبة جدا من النزالات الرسمية، إلا أن الدخول إلى أجواء التباري الرسمي بكوت ديفوار سيضعنا أمام فريق وطني يلبس ثوب البطولة ويتمثل روح الفريق المرشح للقب وأكثر من ذلك، تحضر فيه كل تجليات المونديال، فريق لا يتهيب أبدا من صعود الجبال مهما كانت شاهقة. وكما أن ودية كوت ديفوار، بما أفرزته لم تدفعني إلى قمة التشاؤم، للقول بأنه لا أمل للفريق الوطني في وضع اليد على اللقب الإفريقي، فإن مباراة ليبيريا لا يمكن هي الأخرى أن تقنعني بأن الفريق الوطني أكمل جاهزيته من كافة النواحي لكي يقبل على الإستحقاق الإفريقي بكوت ديفوار، منافسا على اللقب ومدافعا عن السمعة ومتطابقا مع الإنتظارات والترشيحات، هناك بالتأكيد عمل صيانة يجب أن ينجز في الأشهر الثلاثة القادمة لكي يستكمل العمل في الورش الكبير، صحيح أننا سندعى الشهر القادم لمواجهة إريتيريا وتانزانيا عن الجولتين الأولى والثانية لتصفيات كأس العالم 2026، إلى أن المعسكر الذي سيسبق دخولنا في أجواء كأس إفريقيا للأمم سيكون ذا أهمية بالغة، لإيصال اللاعبين إلى قمة التركيز على الحدث، تماما كما حدث عند تحضيرنا لمونديال قطر، لذلك لا مجال للتشكيك، ولا وقت للبكاء على لبن ما زال كله في الإناء، ولا مكان لمن يتوغلون في التشاؤم.