بعيدا عن حكايا بطولة إفريقيا للمحليين لمعاينة المنتوج الكروي المغربي عن قرب، وبعيدا عن صداع سوق الميركاطو الشتوي أو الصيفي الممسوخ بقلة اللاعبين من المستوى العالي، وبعيدا عن النقاش المستهلك للأندية المسماة محترفة بالتسمية، وبعيدا عن معارك الكرة البيضاوية المتطاحنة بأكثر الأقنعة سوداوية في صلب الرجاء والوداد، نعرج وإياكم إلى سوق ما يسمى بالمدارس الكروية داخل معاقل الأندية الوطنية المفترض أن تكون هي مهد إقلاع الإكتشاف والإبهار وموطن التدبير الجيد إداريا وتقنيا وفنيا للصعود التدريجي عبر الفئات السنية كما هو متعارف عليه عبر التدرج من الفتيان إلى الشبان فما فوق، وطبعا ما يحز في النفس أن هذه المدارس خلقت لإستنزاف الأسر ماديا وخلقت من أجل مضيعة الوقت ولم تعط البدائل ولا المواهب ولا النجوم ولا هم يحزنزن، وظل مشروعها فارغ المحتوى وبلا نجاعة ولا نتيجة حتمية تؤسس للأثر ووقع نتائج المشروع فيما بعد.
وكم من الأندية الوطنية تجتر معها أجيالا من أكثر الأسر دخلا وثراء مع أقلية الفقراء والمعدومين والمحرومين ممن يرون الكرة صناعة مستقبلية ولكن منتوجها يظل خارج الإطار لأنه ولغاية الأسف يعتبر حضور المدرسة فقط جانبا ترفيهيا وموردا ماديا لا غير مع أن أصل خلق هذه المدارس كما هو متعارف عليه عالميا يعتبر مؤشرا علميا يتاسس على مشروع رياضي ضخم يتوخى تمكين الفئات العمرية الصغيرة من كل الطرق المؤدية إلى ما فوق ماديا ولوجيستيكيا وتقنيا. وعندما نتحدث عن هذا المعطى الأوروبي الذي تتحكم فيه كل الأمور المهنية والمكاسب التقنية من أفضل الأطر حتى وإن كانت متقدمة في السن، نجد أنفسنا وداخل مدارسنا (دون أن أعمم) في عالم الأمية الرياضية وغياب التأطير الجيد والديبلوم العالي واللجنة التسييرية الهشة وأكثرها فضاعة عندما تتفشى الزبونية و«باك صاحبي» في تمكين الأطفال من مناصبهم داخل المدارس. ونتيجة هذه الفضاعة أن المدرسة تستهلك الوقت والسنوات والمواسم من أجل هدف ربحي ومنفعي لما يقارب أو يفوق 300 طفل في المدرسة الواحدة ولكن من دون أن تمهد الطريق لصناعة هذا النشئ بدرجة عالية من الإكتشاف المهاري. وهذا المسخ المدرسي لا يعطينا بشكل مطلق مع توالي عشرات السنين الإنطباع على إكتشاف المواهب المفترض علميا أن تنطلق نواياها من المدرسة أصلا ولو أن أوروبا تملك هذه الصفة عبر التدرج العمري وبأرقام حصرية لا فليكية كما هو موجود عندنا بالمغرب.
إن مصيبة الكرة الوطنية أنها لا تتقيد بإستراتيجية عميقة المحتوى إنطلاقا من النادي الموجود في مدينة معينة، وأي مدينة معروفة بنجومها في الأمس لا تملك الرجال لصناعة الأجيال ولم تعد تملك ذلك مطلقا ما دام عقلها محصور في إستقطاب الوافدين دون أن تتقيد بأبناء أرضها والدليل على ذلك أن ما يسمى بالبطولة الإحترافية لا تملك مطلقا نواة أصلية من موقعها الأصلي ومدارس تكوينها غير مؤطر بقدرات وكفاءات عالية مع أن واقع المشكلة يتأسس من عقلية الرئيس ومن معه. ومن يقول بتدهور الكرة الوطنية ينطلق أصلا من مشكلة غياب مشروع حداثي لدى رؤساء الأندية المفروض فيه أن يكون بنفس المنطلقات الأوروبية، والتدهور بارز بكل المعطيات الرقمية داخل الأندية التي أصبحت تميل إلى النزعة المادية في الإسترزاق ومع ذلك تجد أكثرها يقول لا نملك الإمكانيات المادية مع أن الإمكانيات البشرية هي الغائبة بهرم مقلوب في زمن طغت فيه المادة من دون صناعة الأجيال ، وطبيعي جدا أن نسقط في وحل كأس إفريقيا للمحليين مع أن المنتخب المغربي الكبير كان يتأسس سابقا من البطولة الهاوية ويتاهل إلى كأس إفريقيا.
ولذلك تظهر المدارس الكروية المغربية أصلا في قالب إسترزاقي لا غير وعن طريقها نعيش اليوم صناعة مغشوشة وأقولها بصراحة لأن الفئات العمرية المتواجدة بالأندية ليست هي التي تأتي من المدارس عادة، وحتى هذه الفئات لا تؤطر تقنيا بالكفاءات العالية بل بلاعبين قدامى منهم من يظل رهين نفسه بلا تكوين ولا يريد ذلك ويقبل بفتات مادي ومنهم من يريد الصعود بعفوية الرغبة في التكوين ولكن مكتب النادي لا يريد تمكينهم من إستشراف المستقبل التقني ومنهم من يناضل من أجل السفر إلى معسكرات أوروبية للتقيد بديبلوم قانوني. وفي كل الأحوال هناك مصائب كثيرة داخل الأندية وقنوات الهدم ميسرة وتدبير الكرة يبقى ضرورة روتينية وتعامل شيطاني مع كل الأوراق التي يفضحها واقع الكرة بالمدينة.
وفي النهاية عندما أقول أن المدارس الكروية موجودة بكثرة فهذا واقع ملموس ولكنه أصلا لعبة مكشوفة على الفضاعة ممن يدبرون ذلك وممن يدربون الصغار في غياب الإمكانيت الطبية والإسعافات الأولية أيضا. وعندما أتحدث عن مراكز التكوين فذلك واقع آخر لا علاقة له بالمدرسة الإسترزاقية. ولم أكذب يوما عندما قلت دلوني على أفضل الحراس بالمغرب، وأجود الأظهرة الدفاعية وأجود متوسطي الدفاع وأقوى رجالات الوسط وألمع صناع اللعب وأقوى شراسة الهدافين، لا شيء يذكر فقط لنا لاعبون متوسطون وعاديون جدا.