سأترك جانبا البذرات السيئة التي ظهرت على نحو غير متوقع في بطولة الموسم المنتهية، لتصيب المشهد الإحترافي بالعديد من التشوهات، لعلني أعود لجردها في زاوية قادمة، حفاظا على أمانة النقد الموضوعي، وسأفرد هذه الزاوية لما أعتبره وجها جميلا للنسخة الثالثة عشرة من البطولة الإحترافية الأولى، الصراع القوي بين الرجاء الرياضي والجيش الملكي، الذي حسمته الأمتار الأخيرة بإعلان الرجاء بطلا للمغرب، للمرة الثالثة عشرة في تاريخه، وللمرة الثالثة منذ أن ألبست البطولة جلباب الإحتراف الفضفاض.

برغم كل المعيقات والمثبطات، التي تمثلت في الهجر القصري للحصون والقلاع، والبرمجة المتقطعة وهذيان التحكيم برغم حضور غرف "الڤار" التي تحمي من تعاقب الأخطاء المتجنية على الأندية، فإن الرجاء الرياضي ومعه الجيش الملكي، سيهديان هذه النسخة من البطولة الإحترافية مشهدا رائعا قفزت فيه وثيرة الإثارة لمستويات عالية، بحيث لم يسلم تاج البطل نفسه للرجاء، إلا ويسري بوزوق يوقع ثالث أهداف الرجاء الرياضي في مباراة الشهد والدموع بوجدة، فما كان وقتها بإمكان المولودية أن يصعد للسطح ليتنفس هواء القسم الأول مجددا، وما كان الجيش لينفعه فوزه بديربي العاصمة أمام الغريم الفتح.

ولأن البطل عادة ما تتوجه أولا وأخيرا أرقامه التي لا يصل إليها كل من نافسه على تلك الحظوة، فإن الرجاء الرياضي، أقرن هذا اللقب الثالث عشر له، بأرقام غير مسبوقة في تاريخ البطولة الوطنية، الهاوية والإحترافية منها على حد سواء (منذ أن بدأ احتساب التعادل بنقطة والخسارة بصفر نقطة)، فقد ظل رصيده طوال الجولات الثلاثين خاليا من الهزيمة، كما أنه كان أول فريق يصل للنقطة 72، من دون أن نغفل السرعة النهائية المجنونة التي وصلت لتسعة إنتصارات متتالية في الثلث الأخير للبطولة، ومن دون أن نغفل في تحقيق هذا الإعجاز الرقمي الأخضر، الإنتظام في الأداء الجماعي الذي يبرز الذكاء الكبير الذي اتسم به المدرب الألماني جوزيف زينباور عند تدبير الفاصل الختامي والحاسم.

ADVERTISEMENTS

ومع الإشادة التي تلزمنا بها المشاهد الختامية للصراع على اللقب، بما قدمه الجيش الملكي في الموسم المنتهي، فإن الملامة التي تقع على الفريق العسكري، وهو يتنازل للرجاء عن صدارة كان يعضها عليها بالنواجد، أنه سقط في منعرجين حاسمين، الأول كان برسم الدورة 27، وهو يسقط بأكادير أمام الحسنية ليكسر رقما رائعا، ب9 انتصارات متتالية، والثاني أنه تعادل بسانية الرمل في الدورة 29أمام المغرب التطواني، ما سمح لقطار الرجاء أن يمر بسرعة البرق للصدارة ثم لا ينزل عنها إلا وهو يفوز على المولودية الوجدية بالثلاثية ويعلن بطلا مثاليا للموسم الكروي الحالي.

يمكن لمناصري الجيش، تحت وطأة الحزن على ضياع لقب كان في متناول اليد، أن يحصوا لهذا الموسم سلبيات ومطبات قد يرونها سببا لانتكاسة فريقهم، ويمكننا نحن أيضا أن نعدد لهذا الموسم، نوبات وجع كثيرة، لكن لا الأرقام ولا روعة السفر ولا الخواتيم الجميلة التي كان الرجاء ماهرا في كتابتها، يمكنها أن تنال ولو ذرة واحدة من استحقاق النسور لهذا اللقب، وعلى الخصوص التحليق الثالث عشر نحو الدرع، التحليق الإستثنائي الذي اختلف عن سابقيه، لأنه ببساطة أدخل النسور التاريخ من أبواب كثيرة.