ما خلت مناسبة أو ندوة جاء إليها الناخب الوطني وليد الركراكي، ليخبرنا بلائحة جديدة لأسود الأطلس وهو يقتبل استحقاقا كرويا قاريا أو دوليا، إلا وترك من حوله غبارا كثيفا، يختنق به المشهد، برغم أن وليد يتسم في اختياراته بكثير من البراغماتية، وبرغم أنه يتحمل باسم كل الشرائع الكروية المسؤولية الكاملة في اختياراته، من دون ضغوط أو إملاءات.

وأكثر ما يضايقني في الخرجات الصحفية لوليد الركراكي، أمور ثلاثة، ما دام أن مساحة الحرية في إبداء الرأي مكفولة لنا جميعا. أولها أن يعمد وليد، لا إلى تفسير الأبعاد التكتيكية والرياضية لبعض من الإختيارات التي يقدم عليها، ولكن إلى تبرير هذه الإختيارات، هو من يقول أن لا قوة خارجية تضغط عليه ليختار هذا اللاعب أو ذاك، ففي ذلك يُسقِط نفسه في تناقضات غريبة هو في غنى عنها، لأن ما يُبرَّر اليوم قد لا يبرر غدا، والأمثلة على ذلك كثيرة.

ADVERTISEMENTS

الأمر الثاني هو سقوط وليد في ازدواجية المعايير، ولنا أن نتصور التداعيات النفسية السلبية على بعض من أسوده، فأن يغض وليد الطرف عن ضعف التنافسية عند لاعبين بعينهم، ويصر على دعوتهم رأفة بنفسياتهم وعرفانا بجميل قد يكونون فعلوه ذات مرة، وهم يقدمون تضحيات من أجل التواجد مع الفريق الوطني، مع أن هذا الفريق الوطني لا يقبل لا بالمقايضة ولا بالمزايدة ولا بترطيب الخواطر، وفي مقابل ذلك لا يطبق هذا «التفضيل» أو هذا «الإسثتناء» على غيرهم، فهو مجلبة لصداع رأس يوجع، بل ويضع الناخب الوطني في موقف ضعف.

وفي لائحة المواجهة أمام منتخب إفريقيا الوسطى، يوجد من هذا الذي تحدثت عنه أمثلة أسوقها لكم للتدليل لا للتضليل، فأن ينادي مثلا على بلال الخنوس وهو في درجة متدنية من التنافسية مع ناديه الجديد ليستر سيتي الإنجليزي، وهو أمر مفهوم ومبرر، للاعب يقبل على بطولة كبرى ويحتاج لبعض الوقت ليفرض نفسه في بيئته الكروية الجديدة، ومقابله يسقط من اللائحة الشاب أمير ريشاردسون لاعب فيورنتينا الإيطالي، بحجة أن تنافسيته تراجعت كثيرا في الآونة الأخيرة، وهو يدمن الجلوس في دكة البدلاء، فإن ذلك يحرض على تحريك الإستفهام المستنكر لا المتسائل.

الأمر الثالث، أن يدمن وليد الركراكي كلما اعتلى المنصة في ندوة صحفية، تخصص للكشف عن اللائحة الجديدة، لتذكير الصحفيين بأنه لا ينحني أمام أي ضغط للمناداة على هذا اللاعب أو ذاك، أو لجعل هؤلاء الصحفيين جسرا يعبر من خلاله، للرد على ما يصله من الفضاء الأزرق من مؤثرين ونشطاء رياضيين، لا يجب قطعا حشرهم في زمرة الإعلاميين.

كما أنه من غير المستصاغ أبدا الحديث عن أشبال نعدهم من الآن ليكونون أسودا بعد عامين أو ثلاثة أعوام، حتى لا أقول 2030 التي تحضر كثيرا في تنبؤات المستقبل.

وليد الركراكي مطالب بشيء واحد هو أن يجهز فريقا وطنيا لتحديين كرويين إثنين، أولهما تأمين التأهل لكأس العالم 2026، وثانيهما الفوز بكأس إفريقيا للأمم التي نستقبلها ببلادنا بعد 15 شهرا من الآن، وهذا الفريق الوطني إن كان ضروريا، فسيكون بين صفوفه لاعبون في سن 18 أو 19 أو حتى 20 سنة، حتى لا نعلق على دعوة هؤلاء ببناء المستقبل، فإسبانيا توجت بطلة لأوروبا وبين صفوفها لاعب من أصول مغربية (لامين جمال)، لعب مونديال أوروبا بالكامل وهو في سن 17.

ADVERTISEMENTS

ما أخاف عليه من وليد وهو يدخل المراحل الحاسمة في بناء المقوم البشري لهذين التحديين الكرويين، أن يطيل الرقص على حبال ازدواجية الخطاب وازدواجية المعايير.