في مرات عديدة، كنت جازما في القول أن إعمال الصرامة لا يورث أي ندامة، ما دام أننا أعملنا المرونة في تطبيق أحكام الإحتراف، وقد وضعنا الأندية لزمن غير يسير في وضع آمن، في منأى عن العقوبات الزجرية، وقد كنت من الذين يفضلون المرافقة وحتى الملاينة على رفع عصا الطاعة.
والصرامة في تنزيل ضوابط الإحتراف التي ترفع عن الأندية الهشاشة وتحول دون تفسخها إقتصاديا، هي في تقدير ممكنات الأندية ومصادرة كل أشكال التلكؤ، لذلك وصلت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ومن خلال العصبة الوطنية لكرة القدم الإحترافية، إلى مرحلة يستحيل معها التراجع عن ضرورات المرحلة الحالية، وهي أن تشعل العصبة الإحترافية الإشارات الحمراء التي يستحيل معها التجاوز بل وتعاقب الأندية فيما لو كسرت هذه الإشارات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حظر الأندية المحكومة دوليا من خلال الفيفا، ووطنيا من خلال غرفة النزاعات، من إنجاز أي تعاقد، أو بالأحرى التصديق على أي من الإنتدابات التي تنجزها.
هذه اللاءات التي ارتفعت في وجه الأندية، هي ما أكرهها على إبداع الحلول لإعادة التوازن للقاعدة الإقتصادية للنادي، وكان أول هذه الحلول إيجاد السيولة المالية لتصفية المنازعات المحكومة، وثانيها الوصول لتفاهمات وتسويات بشأن ملفات عالقة، وباستثناء القليل القليل من الأندية، فإن جبلا من المنازعات تمت تصفيته، وفي ذلك مؤشر على إن إمساك الأندية من اليد التي توجعها أتمر فعلا، بأن خلا المشهد من فواصل بئيسة، تسيء في واقع الأمر للمشروع الإحترافي.
ونجاح الأندية الإحترافية بنسبة كبيرة جدا، في تصفية جانب كبير من الديون المترتبة عن نزاعات محكومة، هو مدخل حقيقي لرأب ما كان من صدع إقتصادي، وقد بالغت الأندية كثيرا في توسيع الهوة بين عائدات مالية محدودة ومصاريف منتفخة بسبب تهور واضح في إنجاز الصفقات وحتى في ضبط التوقعات الموسمية بلا أدنى رقابة.
طبعا، لا يمكن الجزم بأن هذا الذي حدث والأندية تعبر نهر التماسيح، قد غطى على كل الإختلالات الهيكلية المانعة دون أن يكتمل هلال الإحتراف في سماء الكرة الوطنية، لكنها خطوة جريئة، تظهر أن الأندية إذا أرادت فعلت، وأنها اليوم بحاجة لأن تواصل العمل من أجل فرض التوازن على منظومة الإشتغال، فكريا، تسييريا وتقنيا، ما دامت هذه الأضلاع الثلاثة تتشابك فيما بينها لتعطينا الوجه الحقيقي لأي فريق.
ولعل المضاربات والمزايدات التي حدثت قبل سنوات، والأندية تتهافت على لاعبين وهم بأعداد قليلة، فنفخ ذلك في قيمهم السوقية، هو ما قاد إلى هذا الشرخ الإقتصادي، الذي ما كان هناك من بد للقطع معه، سوى برفع اللاءات وإغلاق باب التعاقدات على من لم يُصفِّ التركة السيئة، وهنا سنكون في أول الطريق، لكي نبدأ جديا في تفعيل منظومة الإحتراف التي تحكم العلاقة بين رافعات الأندية، رافعة التدبير الإداري، رافعة الإستثمار في قيمة الأندية ورافعة الإدارة التقنية لمشروع يرتكز أساسا على التكوين الإحترافي.
لذلك مع كل الوجع الذي استشعرته الأندية في موسمها هذا، وهي تتخلص من أعباء تثقل الكاهل، تكون قد تحررت بالفعل من ديون ترتبت عن أخطاء فادحة تراكمت، وتكون قد استشعرت عن بعد التنبيهات التي يرسلها الإحتراف كأسلوب حياة وعيش وتدبير لا يتطابق إطلاقا مع سفاسف الهواية، وكما يقولون، لكل ميلاد مخاض ووجع وشقائق النعمان تولد من العتمة.