هي مكتبة احترقت، فكر هوى من برجه، شعلة انطفأت، ورحيل مفجع دوى في الآفاق، والزميل بلعيد بويميد يسلم الروح لبارئها، ويحيلنا على وجع الغياب وألم الرحيل، فالرجل ملأ كثيرا من التفاصيل، بل إنه كان حيزا كبيرا من زمن بناء عهد ومرحلة من أزمنة ومراحل الصحافة الرياضية، فقد جلب إليها بالقلم الصاخب والرسم الساخن والصوت القوي، الكثير من التوابل الفكرية التي ارتقت بها لدرجات في سلم التعبير الراقي الجميل.
لم يكن بلعيد بويميد صحافيا عاديا، أو صحافيا رياضيا عاديا، بل كان صحافيا متمردا ومشاغبا وثوريا، وكان يجمع كل هذه الدوائر بوثاق الحكمة التي اكتسبها مما كان يقرأ، وبوشاج الوطنية التي تشبع بقيمها وظل دائما منافحا ومدافعا عنها، وكان يفعل ذلك ببراعة ينذر لها مثيل، لذلك كان بلعيد بويميد خارج السياق وخارج الزمن، بل وخارج التصنيف، لأنه اجتمع فيه ما تفرق في غيره، تختلف معه، ولكنك تحترم فيه الصدق عند الدفاع عن منظوره، تحترم فيه الحكمة في تدبير الإختلاف حتى مع من لا يجيدون الدخول إلى عوالمه المركبة.
لا أستطيع أن أحصر لجغرافيا التلاقي، فكرا وفلسفة وشغفا بالصحافة والرياضة مع الراحل بلعبيد مساحة، فقد كانت شاسعة شساعة الحمولات الفكرية لكلينا، فقد قيد لنا ولزملائنا الذين يجايلوننا، أن نحمل مسؤولية تشكيل الهوية المغربية للصحافة الرياضية، كما ورثنا ملامحها الأولى من جيل الرواد، ومهما اختلفت بيننا السبل وحتى صيغ النضال، فقد توحدنا في الإستماتة دفاعا عن قيم المهنية، فظلت الصحافة الرياضة زمنا عصية على الإختراقات والإبتلاعات.
بلعيد بويميد، الذي تبكي اليوم الصحافة المغربية رحيله، وتبكي الثقافة ترجله، ويبكي الإبداع انطفاء نجمه، هو الإعلامي الشمولي والموسوعي، الذي إن دق الحروف تدفق السحر ينبوعا، وإن رقص المعنى رسما تدفقت البلاغة سلسبيلا، وإن ضغط على الصوت تداعت رنات الصدق.
كثيرة هي الجبهات التي تطوع الراحل بلعيد للوقوف عندها، من وحي أمانة التبليغ التي حملها، لكن أهم جبهة كان يرتفع فيها صوته مجلجلا، جبهة الدفاع عن مهنة الصحافة، ومن خلالها جبهة الدفاع عن الصحافة الرياضية، بقيمها الجميلة، ولعله رحل وهو يحمل ذات الغصة، التي نحملها، أن ينكل بهذه الصحافة الرياضية التي كان بلعيد في مقدمة من أرضعوها حليب الصدق ولبن المصداقية.
ومع ما أشعره وكل زملائي من وجع على جلل الفقد وقوة الرزء، فإنني أستحضر ما كان بيننا جميعا في زمن جميل وبهي بحرقته ومعاركه وسعادته أيضا، من تلاحم وتعاضد ورباطة جأش وحكمة لوضع أساسات صرح الصحافة الرياضية الوطنية التي غدا لها في عالمنا العربي صدى وأثر وسفراء إبداع.
رحم الله زميلي بلعيد بويميد وأكرم نزله ومثواه، وكل المواساة القلبية لحرمه ولنجليه ولكل من عاشوا في محرابه الفكري والإعلامي الجميل..
إنا لله وإنا إليه راجعون.