يمشون في الظُلَم، بلا ملل ولا سأم..
يظلمهم الإعلام فلا يورد من أخبارهم إلا اللمم، ومع ذلك يرفعون الهامات، يتحدون الإعاقات ويصعدون كالشوامخ للقمم، أولئك هم ذوو الهمم، الذين وضعوا المغرب في المركز 31 عالميا في قائمة الموشحين بالميداليات في البارالمبياد المنتهي أمس الأحد بباريس، بعد أن تحصلوا على 15 ميدالية، ثلاث منها تلمع على صدورهم ببريق الذهب.
هي حصيلة قياسية وغير مسبوقة لرياضة الإحتياجات الخاصة في المحفل البارالمبي، فقد زادت حصيلة المغرب بالميداليات بأربع ميدالية قياسا بدورة طوكيو 2020، ولو أن حصيلتنا من الميداليات الذهبية نقصت بميدالية واحدة، وللأمانة كان الرصيد من الذهب البراق سيزيد قليلا، لو أن البطل عبد الإله كاني لم تنتزع من على صدره الميدالية الذهبية لمسابقة دفع الجلة.
والواحد منا عندما يتابع هؤلاء المتحدين للإعاقات، ذهنية أم جسدية كانت، يكتشف تعريفا جديدا للبطولية، فإن كان بعض الأبطال الأسوياء هم خوارق بشرية، بحكم ما يبلغونه من مستويات خرافية، فإن كل رياضيي ذوي الهمم هم أبطال، تقرأ في عيونهم حروف التحدي وتطالع في ملامحهم ذاك الشغف اللامتناهي بقهر العجز كيفما كان شكله ومحتواه، لذلك يهنأ كل الأبطال المغاربة الذين حجزوا لأنفسهم مقاعد في مسرح التباري البارالمبي، والذين قهروا بداخلهم كل أشكال العجز، ليكونوا متنافسين أشداء على مراتب الشرف، فإن كان الذين توجوا بالميداليات قد صنفوا في عداد الخوارق للأرقام الرائعة التي حققوها، فإن من حالت ظروفهم دون الوصول للبوديوم، استماتوا ليبلغوا مستويات متقدمة في التباري، ومنهم من حلوا في المراكز التي تأتي مباشرة بعد تلك التي تمنح أصحابها ميداليات من المعادن الثلاثة.
ومن دون حاجة لعقد المقارنات بين فصلين أولمبيين انعقدا بالعاصمة الفرنسية باريس، فإن رياضة ذوي الإحتياجات الخاصة نجحت مجددا في اختبارها الكوني، والنجاح هنا يقاس بحجم التضحيات وبحجم ما يرصد لهذه الرياضة من إمكانيات، وبالحجم المتقلص للإهتمام الإعلامي.
وهذا النجاح يجب أن يُكَافأ، أولا بأن نقر ونعترف بأن رياضة ذوي الإحتياجات الخاصة كانت أفضل بكثير من نظيرتها رياضة الأسوياء، في تمثل روح الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة، بدليل أن حصادها من الميداليات في البارلمبياد كما في بطولة العالم، يكبر دورة بعد الأخرى.
وثانيا، بأن تحصل رياضة ذوي الهمم على مزيد من الدعم المادي واللوجيستي، لتحافظ على بريقها العالمي والبارالمبي، فإن تجدد الطلب بوضع الرياضة في طليعة أولويات نموذجنا التنموي الذي يشيد به العالم، فرض تقديرنا لهذه الوجه الألمعي لرياضة ذوي الهمم، أن نمنحها كل الإمكانيات لتظل شامخة في القمم.