لا تستطيع الأيام الثلاثة التي أمضيتها بمدينة طانطان، وأنا أحضر بمعية لفيف من القامات الإعلامية الوطنية والعربية، فعاليات الجائزة الوطنية الكبرى لواد نون للصحافة والإعلام في نسختها الرابعة، أن تنسحب من الذاكرة، فهي كالوشم الجميل الذي لا تمحوه الصور التي تعبر العين مع توالي الأيام، وهي أجمل ملاذ للفكر كلما استبد به تعب الإشتغال في ردهات الإعلام، المهنة التي نحبها مهما قست علينا ومهما أتعبتنا.
حضرت إلى طانطان لأساهم مع زملاء أساتذة وباحثين، في ندوة علمية وإشعاعية عهدت فعاليات الجائزة التي يؤمن جريانها عذبة كمياه المحيط الزرقاء زميلي الرائع والكاريزماتي حافظ محضار، بتنظيمها للجمعية المغربية للصحافة الرياضية، في موضوع ذي راهنية كبيرة، ومحوره «الإعلام الرياضي المغربي في أفق رهانات المملكة لإنجاح تنظيمها لكأس العالم 2030».
ولعلي أعترف أمامكم، وأنا أطوي تلك الأيام طي السجل الجميل لكتاب العمر، أنني وأنا أغادر طانطان بمعية قوافل المبدعين في مجال الصحافة، أذنبت كثيرا بتأخري في زيارة هذه المدينة الساحرة وهي تجسد ببساطة ينذر لها قبيل، عناق كثبان الرمال الذهبية بأمواج المحيط الصاخبة وتحبل إنسانيا بكثير من القيم الرفيعة التي ما عاد منها في زمننا المثقل بالهموم سوى صدى متقطع.
ما عمق من وخز الذنب وغلغلة الوجع بداخلي، ما اكتشفته ومعي كل الزملاء الإعلاميين الذين جرى انتقاؤهم بشكل رائع، من ترحيب وبهجة وبشاشة، وكأن مدينة طانطان أوقفت حركة الزمان لتعيش لحظة اللقاء بسحرها المنهمر على الساحات، وزاد يقيني بأن هذه المدينة لا تأتلق فقط بجمالها الطبيعي، ولكنها تزدان كل يوم ببهجة أبنائها وهم يجسدون عرضا فخما للأصالة المغربية بالترحيب التلقائي بالوافدين عليها، وبتكسية الأرض والفضاء بوشاحات السعادة والبهجة.
كان لمدينة طانطان صدى في ترانيم زمني الإعلامي، أبصرتها من دون أن أراها، وتنفست عبقها من دون أن أمشي في حدائقها، من خلال سيدة البهاء والعنفوان، غادرتنا إلى دار البقاء فتوجعت من أسى رحيلها كل القلوب، الإعلامية والشاعرة والأديبة والمربية عزيزة يحضيه، من لقبت بسيدة الكثيب، وتشرفت بأن أكون أول من شرع لها النوافذ، لتقتبل شعاع وعبير الصحافة ولتتنفس عبق التعبير، ومن خلال فارس يركب على صهوة جواده ويسافر في المدائن، ليعلن فينا مشروعا إعلاميا وأدبيا إسمه جائزة واد نون الكبرى للصحافة والإعلام، غطى بألوانه المزركشة أماسي طانطان.
ويوم حضرت لطانطان مهوى الشعراء والمبدعين والحالمين، شاهدت من تجليات الجمال الإنساني ما لم أشاهده في أماكن أخرى، وكم كانت زياراتي لمدرسة نهضة طانطان ومدرسة الفرصة الثانية بمعية النجم الكبير عزيز بودربالة والزميلين العزيزين، الدكتور منصف اليازغي وموحا أفرني، مفرحة لي ولزملائي أكثر مما أفرحت تلك العيون الناعسة التي صحت على وقع الفرح.
طانطان.. أنت المبتدأ وأنا الخبر.
طانطان.. أعذريني على عمر عبر لم أرك فيه إلا وقت العصر.