كان الكلاسيكو المنتظر بين الوداد الجيش، نسخة مختطفة، أو لعلها لا تطابق الأصل لوجود عارض كبير، يتمثل في أن طرفه المستقبل، أي الوداد، بملعب البشير، كان خارج الخدمة أو لنقل أنه في طور الصيانة.
لا يمكن أن نقيس ما شاهدناه في هذه النسخة المستنسخة بشكل رديء، بما ألفناه على الأقل في العشر سنوات الأخيرة، وبما حمسنا دائما للإقبال على هذا الكلاسيكو، ننشد الفرجة ونتوق لإشفاء الغليل، فكثير من التوابل حتى وإن حضرت لم تكن على أصلها ولم تكن بالمقاس الذي يجلب «البنة» ويحقق متعة المشاهدة واستهلاك الفرجة، بدء من ملعب يضيق فعلا بمن جاؤوه، وقد أغلقت مدرجاته في وجه مناصري الجيش المعاقبين بشكل غريب على فعل شغب لم نعد قادرين لا على تحديد المتسببين فيه ولا على وقف استشرائه، ومرورا ببطولة تعود بعد طول توقف في موسم التوقفات الناسفة للإيقاع، وانتهاء بالحالة التقنية والتنافسية وقبلها النفسية، التي بات عليها الوداد في موسم صفري هو الثاني على التوالي. لا شيء من الذي ذكرته يقلل إطلاقا من الموسم الرائع والإستثنائي للجيش الملكي، الذي جاء إلى الكلاسيكو وهو يشعر أنه وضع في دوامة عليه أن يحسن الخروج منها، وقد خرج منها بكفاءة عالية تدل عليها قوته الجماعية ورأسماله البشري، وأكثر منه ذكاء مدربه نصر الدين نابي في مطابقة هذا الرأسمال البشري مع مشروع اللعب الذي يؤمن به، ونراه اليوم مجسدا في كل مباريات الجيش.
إحترم الجيش الملكي بشكل يستحق الإكبار والتنويه، الظرف الصعب الذي يمر منه الوداد وهو يعيش منذ بداية الموسم على إيقاع هزات عنيفة، الإحترام بالمعنى الذي لا يبقي مجالا لاستسهال المباراة، وبالمعنى الذي يرفع درجة الإحتياط من صرخة الوداد الموجوع لمستويات عالية، فقد كانت نقاط الكلاسيكو أمام الوداد بمثابة تكسير لأحد أكبر الموانع التي تقف في طريق احتفاظ العساكر باللقب، فحسمها هو خطوة نحو الدرع وضياعها نسف للكثير من الأحلام.
ومما شاهدته من الجيش في الكلاسيكو، قدرة رهيبة على تخطي حاجز تدني التنافسية بحكم أن الفريق أمضى شهرا كاملا من العطالة، فقد نجح الجيش في ضبط الإيقاع بشكل لا يبقي بياضات في مضمون اللعب، بدليل أنه تحكم بشكل كبير في جل فتراتها، ولم يترك في مساحات المناورة للوداد سوى النزر القليل. وهل كان بمقدور الوداد، حتى وهو يغير مدربه، بالإنفصال عن الشيخ البنزرتي والإرتباط بالدولي السابق عزيز بنعسكر الذي كانت له «طلة خفيفة» على البطولة الإحترافية، أن يستعيد صوته الأسطوري ليكسر رتابة بل ورداءة زمنه الحالي؟ بالتأكيد لم يكن ذلك ممكنا، فالوداد لم يكن يفتقد في الكلاسيكو الرجل القائد فقط، بل إنه لم يجد في الوعاء النفسي قبل التكتيكي ما يساعده على الخروج من نفق الأزمة ومعالجة القهر النفسي الذي ضرب الكبرياء.
إن مشى الجيش واثق الخطى نحو اللقب منافسا في سيره من الرجاء العنيد، كان الوداد بحاجة إلى أن يجلس حول طاولة «العائلة»، ليحرر على الفور وثيقة تقول بأن الفريق موجود تحت الصيانة، فلا وقت يمكن إضاعته للجزم بنهاية جيل وضرورة بناء جيل جديد، بنهاية مرحلة واستشراف مرحلة جديدة.