ما شاهدته في مباراة النيجر وتنزانيا، التي استضافها الملعب الكبير بمراكش، وقد انتهت بفوز نجوم الطايف بهدف للاشيء، إلا ما يؤكد الموقع الذي يوجد فيه المنتخبان معا على مستوى تصنيف المنتخبات الإفريقية، وما يضعف بدرجة كبيرة حظوظ أي منها لتصدر مجموعة يتواجد فيها منتخبنا الوطني وبمعيته منتخب الرصاصات النحاسية لزامبيا ومنتخب الشياطين الحمر للكونغو.
صحيح أن المنتخبين معا تواجها بعيدا عن معاقلهما التي تشكل طقوسها وأجواؤها حافزا قويا لمعاكسة التوقعات، إلا أن المنتج الفني لهذه المباراة التي حسمتها لفائدة تنزانيا جزئية بسيطة، يؤكد بعد هذين المنتخبين عن الصورة التقنية الفارقة التي يجب أن يكون عليها أي منافس يتغيأ صدارة المجموعة الخامسة ويحلم بخطف البطاقة المونديالية الوحيدة، فما شاهدته شخصيا، فريقان يجتهدان لتمثل أدوات كوة القدم الحديثة، من انسيابية الأداء وجودة التحولات ورقي البناءات الهجومية إلى ما يمنحنا الفرجة المبحوث عنها، لاعبون يجتهدون، ولكنهم في الأساس فاقدون فرديا ثم جماعيا لتمثل روح الإبداع.
وسيقول قائل، بناء على ما أفرزته مباراة النيجر وتنزانيا، لماذا نخاف على فريقنا الوطني من مباراة يوم غد الثلاثاء هناك في تنزانيا، وهو يفتتح مسار الإقصائيات الذي يدخله في ثوب المرشح الأقوى للقبض على البطاقة المونديالية؟
لا أتصور أننا سنصل لدرجة الخوف على الفريق الوطني، وهو الذي يدخل المباراة بفوارق على كافة المستويات لكي يكون المتحكم الأول في إيقاعها ولكي يكون المالك بيد من حديد على تفاصيلها، ولكي يخرج منها وفي الوعاء نقاط الفوز الثلاث، ولكن هناك توجس كبير من أن يدفع المنتخب التنزاني المتحفز أولا بفوزه على النيجر وحصوله على أول ثلاث نقاط، والمسنود ثانيا بجماهيره وهو يلعب بدار السلام، أن يدفع الفريق الوطني دفعا للمناطق المرفوضة، لأن يكون شبحا وظلا وفاقدا لذاكرة الإبداع.
ليست هناك من طريقة لربح هذا السباق من بدايته، غير أن يتقمص الفريق الوطني الشخصية القوية والمخيفة والمرهبة التي يتصوره بها لاعبو المنتخب التنزني، شخصية الفريق الذي يبرز أنيابه ومخالبه من البداية ولا يظهر للمنافس أي مهادنة تكتيكية، ذلك أن التعاطي الكلاسيكي مع مباريات هاته، والذي يقتضي مرحلة جس نبض تم ترويض للمنافس فالإجهاز عليه بعد ذلك، أرتنا من المحن الشيء الكثير وشربتنا من المرارة كؤوسا، وإذا كان بيننا من يذكر أن هذا المنتخب التنزاني جرعنا واحدة من الهزائم المعيبة سنة 2013 هناك بدار السلام، بسبب فلسفة زائدة، كان وليد الركراكي بنفسه شاهدا عليها، فإن ما يجب أن نذكر به الفريق الوطني الحالي، خرجتيه بعد المونديال للأدغال الإفريقية، لجنوب إفريقيا، حيث خسرنا أمام الأولاد وبكوت ديفوار حيث تعادلنا بأعجوبة أمام الأفيال، وفي الخرجتين معا أدركنا كم هو صعب السفر لإفريقيا، وكم هو جنون ألا يفرض الفريق الوطني شخصيته من البداية، أن يطيل زمن القراءة والإستقراء إلى أن تجره التماسيح لمستنقعها.
ليس هناك من سيناريو أفضل من أن يزأر الأسود أولا وثانيا وأخيرا بدار السلام، فلا يتركون لزملاء سماطا ومسوفا أي فرصة للإستقواء ولارتداء جلباب أكبر منهم، أن يجبرونهم من البداية على التحصن في مناطقهم، مجردين من كل قدرة على الفعل وحتى على ردة الفعل.
هذا هو خيار الأسود لتحقيق ما يبدو، أنه الخيار الإستراتيجي لمنتخب يدخل مسار التصفيات مرشحا ويخرج منه متأهلا للمونديال، خيار الفوز بطبيعة الحال، ما دام أن القبض على صدارة المجموعة الخامسة والبقاء فيها لغاية متم التصفيات، يقتضي أن يلعب الفريق الوطني مبارياته الثمانية داخل المغرب وخارجه بعقلية انتصارية، ووليد يعرف جيدا كيف تأتي هذه الإنتصارات، بأي لاعبين وبأي تخطيط وبأي تدبير تكتيكي؟
حظ سعيد لأسود الأطلس، فمن دار السلام تبدأ رحلة الأحلام..