لا أظن أن عادل رمزي استهلك وقتا طويلا، ليكشف عن الوصفة التكتيكية التي ستُلبس الوداد الرياضي شخصية متحورة ومستحدثة ومحيَّنة بحسب ما باتت كرة القدم الحديثة تفرضه من ليونة في تنويع ثم تطويع أساليب اللعب.
غاب عنا الشاب عادل رمزي لفترة طويلة، فمنذ أن غادر إبن مدينة مراكش المغرب في سن يافعة وهو يتقلد لقب كأس إفريقيا للشبان الذي تحقق مع رشيد الطاوسي، ميمما أشرعته في بحور الإحتراف الأوروبي، لم نكن لنراه إلا وهو يأتي من وقت لآخر ملبيا نداء الفريق الوطني، ومع اعتزاله، تقطعت أخباره، إلى أن سمعنا بانضمامه للأسطول التقني لنادي بي إس ڤي أيندهوڤن الهولندي، مدربا للقطاعات السنية، ثم مدربا للفريق الرديف، ومرة مساعدا للمدرب الأول لنادي أيندهوڤن.
ولأنهم هناك في أوروبا، لا يجاملون ولا يقامرون ولا يقفزون على قواعد صارمة تضبط مجالات التكوين القاعدي للصغار بكل أبعاده، كما تحدد السمات الفكرية والعلمية والتربوية لمن يتقلدون هذه المهمة التأطيرية، فإن عادل رمزي، مر من امتحانات دقيقة، قبل أن ينال شهادة الإستحقاق التي خولت له تدريب واحدة من أهم الفئات العمرية في مشتل التكوين داخل فريق بقيمة أيندهوڤن.
طبعا، من احتك بالكرة الهولندية وارتوى من ينبوعها الجميل، يكون قد تشبع بفكر تكتيكي هجومي أبدعه كبار المدربين الذين أسسوا لهم مدرسة هولندية قائمة بذاتها، كان فيلسوفها الأكبر هو الراحل يوهان كرويف، الذي غرس في تربة برشلونة، ما بات يعرف بعد ذلك بالتيكي تاكا، لذلك ما كان مستغربا أن يأتي عادل رمزي إلى المغرب، في أول تجربة تقنية له مدربا للوداد، وهو مشبع بهذه الكرة الشاملة، وهاضم لكل الأدوات التي تجعل منها كرة قدم هجومية وضاغطة، وحالم بأن يضع بصمته في الفسيفساء الكروي للوداد.
ولأن الأمر لا يتعلق بمجرد تصميم جلباب تكتيكي جديد على مقاس الوداد، بل يتعداه إلى وضع منظومة لعب متكاملة، بهيئتها الدفاعية والهجومية وبأدواتها المتعددة التي تكسبها الخصوبة والتنوع، فقد احتاج عادل رمزي لبعض الوقت، ليخرج لنا هذا الوداد الذي نشاهده اليوم، وهو يتكور كموج البحار، ويضيء كقمر المساء، ويثور كعواصف الشتاء، فريق يهضم جيدا الأدوار المعقدة ويؤديها بسلاسة كبيرة، ولا يفرق في ذلك بين أساسيين وبدلاء.
ولأن الوداد في لحظة، إحتبس وتلعثم، وما قدم مستويات مطمئنة، بل لم يرسل في مبارياته الأولى شهابا من نور، فقد استعجل بعضهم الحكم، وقالوا بأن هذه الكرة الشاملة التي جاء بها عادل رمزي، لا تصلح مع وداد يعشق الكرة المباشرة، وأن الوداد سيندم على أنه سلم مقاليده التقنية لمدرب، وإن طلع من تربة مغربية، إلا أنه اختلط بنبتات تكتيكية هولندية لا تتلاءم مع مناخنا الكروي، وكم كان هؤلاء خاطئون، لأن عادل رمزي سيسرع عملية الإنصهار، ليقدم بالفعل هذا الوداد الذي شاهدناه في البطولة كما في عصبة الأبطال، كما في الدوري الإفريقي يضرب بالثلاثيات، بل ويقدم عروضا كروية فخمة، هي نتاج فكر هجومي لا يضحي أبدا بالتوازنات الدفاعية.
وأفضل أن أضرب مثلا، بمباراة إنييمبا بالدار البيضاء، لنستوضح جيدا، قيمة ما أنجزه المدرب الشاب عادل رمزي في وقت قياسي، فهذه المباراة تحديدا، من دون حاجة للحديث عن المنافس، عن ضعفه أو وهنه أو سقوطه المبرمج، أظهرت جيدا الورش التكتيكي الذي اشتغل عليه رمزي، أن يلعب مدافعا بشاكلة 4ـ5ـ1ومهاجما بشاكلة 3ـ4ـ3، وفي ذلك اعتمد على مؤشرين قويين، أولهما الخبرة التي يتمتع بها يحيى جبران، فجعلته يلعب قشاشا وسقاء في حالة الإرتداد، ومدافعا محوريا في حالة الإنطلاق الهجومي، ما دام أن الغاية هي تحرير الظهيرين أيوب عملود ويحيى عطية الله، ليتحولا إلى جناحين هجومين وأحيانا ليتعمقا في الوسط، كما يحدث مع عملود الذي أصبح هدافا للفريق بفضل توغلاته التي تفاجئ في العادة دفاعات المنافسين.
هناك حركية جميلة لا ترصدها إلا عيون التقنيين، نتبين معها التغيير الذي يطرأ في مراكز اللاعبين، ونرصد معها أيضا الإنسيابية التي يحدث بها «الترانزيسيون»، وكما أنه ليس من السهل إطلاقا أن يؤلف المدرب عادل رمزي بين السرد الهجومي والسرد الدفاعي لتكتمل حبكة المباراة، فإن ما يقدمه الوداد اليوم ليس إلا صورة أولية، مشروع رؤية وفلسفة وتصورا لشخصية جديدة أو مستحدثة، لطالما أن تعميق الرؤية وتوطين الفلسفة واكتمال الشخصية النافذة والمؤثرة، يحتاج إلى وقت طويل وأيضا إلى استعداد كامل من اللاعبين للإبقاء على تركيزهم في مستويات عالية والإبقاء على الأرجل مثبتة في الأرض مهما كثرت الثلاثيات.