من نسخة كأس عالم لأخرى، المغاربة في سمائهم حالمون، متأملون وعلى صهوة الإصرار والتحدي يركبون، في طريق الألف ميل يمشون، إن أصابهم وجع من ضياع الفرصة لا يتألمون، وإن خرجت من جحورها الخيبات لا ييأسون، هم للأمل عنوان، وبارقة تفتن العيون..
ما أجمله من وشاح تقلده المغرب، ومجلس الفيفا يعتبر ملف المغرب، إسبانيا والبرتغال، مرشحا وحيدا لاستضافة كأس العالم 2030، فقد أغنانا هذا القرار عن السير لليال في سراديب الخوف والإنتظار، من أن تكون التجربة السادسة اجترارا للألم، وأن يستمر وجع المخاض الذي ينتهي، فلا يطلع من جبال الأطلس قمر المونديال ليضيء العالم بسحره.
أعفانا القرار من مطاردة الأصوات بالليل والنهار، تحت أشعة الشمس وزخات الأمطار، وتلك من البركات التي منها الله على المغرب، فجعلته عصيا على الأزمات، لا تدمي قلبه النكبات، ولا تهز شعرة من رأسه الدسائس التي تحاك خلف الربوات.. 
ما أروعه من اعتراف، أن يجمع اليوم العالم على أحقية المغرب بتنظيم كأس العالم بمعية الجارتين الإيبيريتين، إسبانيا والبرتغال، بعدما أجمعت عائلة كرة القدم الإفريقية، أسبوعا قبل ذلك، على أن يفسح الطريق أمام المغرب ليتقلد أمانة استضافة النسخة 35 لكأس إفريقيا للأمم سنة 2025، لتكون مولدا لمونديال يرفع هامة إفريقيا وسط الأشهاد.
ما أبلغها من حكاية، وما أدقها من لحظة، والمغرب يصنع لزمانه حكاية الفينيق الذي نهض من رماده، ويرسل في المدى غيمة كانت نائمة خلف الأكمات، لتصدح في مدحه الكلمات، وتأتلق في حضرته العبارات، فهذا المونديال الذي جاء للمغرب على هودج راضيا ومبايعا، ما رأى في العاشقين ولها كوله المغرب، ولا صدقا في الحب كصدق المغرب، ولا جرأة في مطاردة الحلم برغم الإنكسارات كجرأة المغرب.
قيل أننا اختطفنا الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وهي تخلي السبيل للملكة المغربية بإرادة الأوفياء، ورغما عن أنف البلهاء، لتنظم كأس إفريقيا للأمم لعام 2025، ولا أدرى ماذا سيقولون اليوم، وقد اختطف المغرب الفيفا والمونديال، بل واختطف علنا دهشة العالم، وهو يتحمل يوم الثامن من شتنبر وما تلاه من أيام أليمة، بتضامن غير مسبوق، تبعات وتداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز، فنحن شعب لا نتهيب صعود الجبال ولا نهوى العيش وسط الحفر.
إن كان ما حصل في المشهدين العالمي والإفريقي اختطافا، فإن المغرب سيعمل كل اليوم على أن يختطف من العالم إعترافا وإعجابا ودهشة، إلى أن تحين لحظة رفع الستارة عن تنظيم النسخة الخيالية والإستثنائية لكأس العالم صيف عام 2030.