أصاب حدسنا في توقع كثير من الأشياء التي رافقت الإعلان من قبل باتريس موتسيبي رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، عن البلدان التي ستحظى بثقة عائلة كرة القدم، فالمغرب بدا بالمطلق هو الأجدر بتنظيم نسخة 2025 لكأس إفريقيا للأمم، وبرغم كل الذي انتشر من طحالب موجبة للشك والإرتياب، فقد ظللنا على قناعتنا الراسخة من أن إفريقيا لن تجد أفضل من المغرب ليمنحها كأس قارية تقارع بها نظيراتها في القارات الأخرى، وأن الملف المغربي المبهر يكفي وحده لأن تمنح الكاف بعينين مغمضتين تنظيم مونديالها للمغرب.
لكن ما سيحدث ونحن في طريقنا لليوم الموعود، هو ما فاجأنا ولربما أصاب الأفارقة بالصدمة، وأكثر تلك الأشياء الصادمة، قرار الإتحادية الجزائرية لكرة القدم بالإنسحاب من تنظيم كأس إفريقيا للأمم في نسختيها، يوما واحدا قبل إلتئام الإجتماع بالقاهرة.

إنسحاب لم يجر لا تعليله ولا تبريره من قبل رئيس الإتحادية الجديد وليد صادي، إلا ما كان من فقاعات إعلامية، قالت بما يدعو فعلا للسخرية، أن كأس إفريقيا للأمم لم يعد تنظيمها من الأولويات، إعتبارا إلى أن بيت كرة القدم الجزائرية المترنح، يستدعي تدخلا عاجلا لتنظيفه وإعادة ترتيبه.
من أعرفهم من الأفارقة، ومن تواجدوا في مسرح الأحداث هناك بالقاهرة، إعتبروا هذا الإنسحاب معيبا وينتقص من قيمة الأفارقة، ولا يمثل بأي حال من الأحوال المكانة الرائعة للكرة الجزائرية في المشهد الكروي الإفريقي، بخاصة إذا ما قاد الإجتهاد وسط التعتيم المطلق من الإتحادية الجزائرية، إلى مسببات يبطل معها العجب ويعظم معها الإستغراب.
إن الجزائر ما انسحبت قبل يوم واحد من الإجتماع الحاسم لتنفيذية الكاف، إلا لأنها ازدادت يقينا، أنها لا تستطيع منافسة المغرب، والخوف كل الخوف أن يصدمها الصفر في حلبة التباري، وهذا شيء فطنت إليه منذ زمن بعيد، وهي تقرر الترشح أيضا لتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2027، كما اتضح لها قبل ساعات من لحظة الحسم، أن تنفيذية الكاف لا تنوي إطلاقا أن تبقي على تنظيم الكان في منطقة جغرافية واحدة خلال نسختين متتاليتين.

ولم نكن لنلقي بالا لهذا الذي أقدمت عليه الإتحادية الجزائرية لكرة القدم بسحب ترشيحها، بهكذا شكل، لولا أننا استهدفنا بكثير من الطبخات الإعلامية المقيتة والتي تضاربت بشكل مثير للسخرية، فإن قالوا يوما بأن المغرب نافذ داخل مؤسسة الكاف ويملي على لجنتها التنفيذية القرارات، بل ويتحكم في الكواليس، عادوا بعدها وقد نظموا بطولة إفريقيا للاعبين المحليين بما أريق على جوانبها من فضائح، ليقولوا أن الجزائر أحق من غيرها بتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025، وأن أعضاء تنفيذية الكاف الذين «غرر» بهم، على حد ادعائهم، وقفوا على حقيقة أن الجزائر متفوقة على المغرب في الملاعب والمرافق والبنى التحتية، ولست أدري كيف لبلد يتمتع بكل هذه المواصفات «الخيالية»، لا يكمل السباق حتى نهايته، ويقرر على غفلة من الجميع الإنسحاب بشكل كامل، بذريعة «مفترضة» أن له أولويات أكبر من تنظيم كأس إفريقيا للأمم، وهم تنطبق عليهم مقولة «لقد خاب من سيسها».

وإذا كانوا يستكثرون على الأفارقة جمعهم تحت خيمة واحدة، لصناعة الفرح الجماعي والوحدة الإفريقية، بمعناها السامي الذي لا يقبل لا المساومة ولا المزايدة، فإن المغرب لا ينوي إطلاقا التخلي عن العائلة الإفريقية، ولا نية له مهما حدث من ترهيب وتنطع، من أن لا يستمر في مد اليد الآمنة والمحبة والواهبة للخير للأشقاء الأفارقة، وكما أعطى المغرب أروع الأمثلة في الإصطفاف وراء قارته، والترافع من أجلها وتطهيرها من القوى المعادية لوحدتها والعابثة بخيراتها، بوحي من عبقرية ملكه، فإنه وهو يحظى بثقة الأفارقة لتقديم نسخة 2025 لكأس إفريقيا للأمم، سيكون ملتزما كما هي عادته من أن يمنح إفريقيا وعائلة كرة القدم نسخة يرفع بها الأفارقة هاماتهم في عنان السماء، تماما كم رفعوا رؤوسهم وسط الأشهاد والمنتخب المغربي يصل في مونديال قطر للمربع الذهبي.