مع الإعتذار الكامل لشاعرنا الكبير حافظ إبراهيم الذي أنشد متغنيا بوطنه مصر..
«وقف الخلق جميعا ينظرون كيف أبني قواعد المجد وحدي»، ولعل هذا الخلق مع اختلاف الأزمنة والأمكنة وقف معجبا ومبهورا وحتى متوجسا من هذا الذي فعلته الأندية السعودية بالميركاطو الصيفي، فقد تزلزلت الأقدام من تحت من تعودوا أن يدخلوا هذا الميركاطو متاجرين ومضاربين وغير مكثرتين بالأرقام الفلكية التي يرمون بها في بورصة القيم.
عندما جلب النصر السعودي لصفوفه في الميركاطو الشتوي الماضي، الأسطورة البرتغالي الدون كريستيانو رونالدو، بقيمة مالية مرعبة، قرأت للإعلام الأوروبي الكثير من الهلوسات والتنقيصات، فقد تمت صياغة الخبر بصيغ ماكرة، حتى لا أقول مستفزة وخالية من آداب اللياقة، ومنهم من كتب: «إنهم يرمون الملايير من النوافذ».

ظنوا، وفي ظنهم دائما إثم، أن ما حدث مع رونالدو كان نزوة عارضة من قبيل النزوات التي شاهدنا لها نماذج في أزمنة متتالية من أندية الخليج العربي، لكن ما سيضرب هؤلاء وغيرهم كالإعصار، أن صفقة رونالدو كانت هي الصرخة الإنذارية التي لم يحسن الكثيرون استقبالها، فجاء الميركاطو الصيفي محمولا على إعصار سعودي لا يبقي ولا يذر، فقد كنا أمام حملة ممنهجة ومدروسة، لجعل الميركاطو الصيفي علامة سعودية مميزة وفارقة، والمفاوض السعودي يجول دول أوروبا وكل قارات العالم في رحلات مكوكية، ظاهرا حينا ومتخفيا حينا آخر، يعقد الصفقات المجنونة الواحدة بعد الأخرى، إلى درجة أن من توجسوا أصيبوا بالصاعقة، فتحولوا من مستهزئين إلى منذرين بوقوع زلزال عنيف سيسقط الصرح الأوروبي الذي بني على مدار سنوات كثيرة.
قال رونالدو لمن ليس بهم صمم، أن مجيئه للسعودية ليس من أجل المال، ولكن لتغيير النظرة النمطية والدونية التي تحشر فيها كل دول الخليج، وهو ما حدث، فقد بدا رونالدو كقائد فيلق السنونو الذي سيحلق في هجرة جماعية مثيرة للدهشة صوب الجزيرة العربية، وما عاد ممكنا أن نحصر للأساطير والنجوم عددا، بل إن الأندية السعودية التي تتهم من طرف البعض على أنها اغتالت قواعد اللعب النظيف، ستنقذ الميركاطو الصيفي الأوروبي من الرتابة، بل إنها ستسعف المالية المترنحة لعدد من الأندية الأوروبية الكبيرة، بل وستنقذها من الكساد الإقتصادي.

ولأن فاعلا مضمرا تسبب في إجهاض صفقة انضمام حكيم زياش لنادي النصر السعودي ليقف إلى جانب الدون رونالدو والسينغالي ساديو ماني، فإن جاذبية البطولة السعودية وقد غدت محجا لكبار نجوم العالم، ستغري بالمجيء كلا من ياسين بونو الذي كان ناديه إشبيلية لا يرى في خلاصه من أزمته المالية سوى بيع الأمين العرين، وجواد يميق الذي فعل بندا في عقده يقول بعدم موافقته على اللعب مع بلد الوليد في الليغا الثانية، وبذلك ينضاف بونو ويميق لعبد الرزاق حمد الله نجم وهداف الإتحاد، ومنير المحمدي الأمين على عرين نادي الوحدة وإلى جانبه فيصل فجر، وكريم البركاوي ومراد بطنا ومروان سعدان، ولا شك عندي أن اجتذاب النجوم بخاصة منهم المغاربة، ستظل عملية قائمة، وما عاد هناك من مجال لاجترار تلك النظرة الدونية لبطولات الخليج العربي، وما أكثر ما حاربت من أجل التخلص من تلك النمطية في معاملة بطولات عربية.

ADVERTISEMENTS

ولهذا الإستقطاب المثير والرائع لنجوم العالم من كل الأعمار، من قبل الأندية السعودية، بصرف النظر عن الأموال التي صرفت لتلك الغاية، أهداف رياضية وتسويقية، ستجعل من الدوري السعودي واحدا من أفضل الدوريات العالمية، مشاهدة وتسويقا، وقد يتمكن في القادم من السنوات من مزاحمة البطولات الخمس الكبرى في العالم، كما أن كل مدربي العالم وبخاصة مدربي المنتخبات الوطنية، سيدخلون لمواعيدهم الأسبوعية مباريات البطولة السعودية، لمتابعة لاعبيهم، وما عاد مقبولا من أحد أن يقال بأن البطولة السعودية منهي عن اللعب فيها، لأنها لا توفر التباري من المستوى الكبير ومن الإيقاع المرتفع، ذاك أصبح كلاما من ماضي بعيد.