خص صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، المنتخب المغربي صاحب الإنجاز التاريخي في كأس العالم بقطر، بإشادة جديدة في الخطاب السامي الذي وجهه جلالته لشعبه الوفي بمناسبة الذكرى 24 لعيد العرش المجيد، وهو خطاب الحكمة والرزانة والعمق الإنساني، الذي يجد صداه الكبير لدى شعوب العالم، ويعتبره المحللون السياسيون صورة معبرة عن مغرب متشبع بقيم "الصدق والتفاؤل والتسامح والإنفتاح والإعتزاز بتقاليده العريقة والراسخة".
والإشادة الملكية، هي إشادة بممكنات الشباب المغربي الذي ما إن تتوفر له الظروف، وما إن يتسلح ب"الجد والروح الوطنية"، إلا ويبهر العالم على نحو ما حصل في مونديال قطر، عندما حقق فريقنا الوطني من خلال شباب مغربي إنجازا تاريخيا غير مسبوق في التظاهرة الرياضية الكونية.
وقد اختار صاحب الجلالة الملك محمد السادس مبنى وأساسا لهذا النبوغ المغربي، صفة الجدية التي ما إن تقترن بالعمل إلا وترفعه لمرتبة الإتقان والإجادة، صفة عرفها جلالته بقوله:
"إن ما ندعو إليه (الجدية)، ليس شعارا فارغا، أو مجرد قيمة صورية، وإنما هو مفهوم متكامل يشمل مجموعة من المبادئ العلمية والقيم الإنسانية.
فكلما كانت الجدية حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات ورفع التحديات".
والجدية التي ترفع العمل إلى مراتب جد متقدمة من الجودة، إنما تعكس بحسب السوسيولوجيين، "الأداء الإيجابي للمهام الوظيفية بغرض تحقيق الأهداف المنشودة"، كما تجد تفسيرها في الإحترافية والمسؤولية والإلتزام، بدرجات تتحدد بحسبها نسبة النجاحات الرياضية، وبفضل هذه الجدية التي تحكمت في عمل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أمكن لنا أن نشهد الصحوة الرائعة لمنتخباتنا الوطنية على مستوى الذكور والإناث، فتوالت بشكل انسيابي جميل الإنجازات الرياضية، حتى تلك التي لم تكن أبدا متوقعة، ولا محددة في سقف الأهداف، ولا شرطا لاستدامة هذه النجاحات الرياضية، إلا بتعزيز وترسيخ مكانة الجدية في منظومة الإشتغال، من قاعدة الهرم إلى قمته، الجدية في التدبير، الجدية في التكوين والجدية في المتابعة والتقييم والمساءلة، فمتى كان الإخلال بهذه الجدية في مباشرة العمل الرياضي بكل أجناسه وتفرعاته، متى سقط أول عماد في صناعة التميز ومتى اتسم الأداء بالبرعونةوالهشاشة المفضيين إلى الفشل، وخليق بشبابنا المغربي التواق للتألق والإبداع أن يجد من حوله في كل مشاتل العمل أناسا وقادة جديين، يساعدونه على صناعة الإبداعوالإبتكار وتحقيق النبوغ.
وقد كنت شخصيا من الدعاة إلى الإستثمار على نحو جيد في الإنجازات الرياضية الجماعية والفردية التي سجلت بأسماء الشباب المغربي خلال هذه السنة بالذات، باستحضار ما وصفه صاحب الجلالة بحكمة القائد المتبصر، بالجدية في التخطيط والتنفيذ والمرافقة، ولا حاجة للإستدلال على بعض الأعطاب والإختلالات التي تعشش في بيتنا الرياضي، للقول بأن غياب الجدية في تدبير عديد الملفات وفي تسيير الجامعات والأندية على حد سواء، هو ما يورث هذا الإضطراب حد التناقض، الذي يشكو منه المشهد الرياضي، بين مرفق رياضي ناجح بعلمية التعاطي واحترافية التدبير وجدية التنزيل، وآخر فاشل بسبب غياب الجدية وضعف الحكامة.
إن وضعنا الحالي كبلد رائد عالميا على مستوى كرة القدم، بحلول منتخبه القومي رابع المونديال، يلزمنا بضرورة التمسك بالجدية الكاملة في تشريع طريق المستقبل للحفاظ على المكتسبات، ومن صور هذه الجدية في العمل، أن يقوم كل واحد داخل منظومة التسيير بمهمته في جعل الشباب المغربي يحظى بكل فرص العمل الإحترافي لكي يعبر عن نبوغه وموهبته ورقي ملكاته، لتكون كرة القدم على الوجه القبلي والرياضة بشكل عام، وجها لهذا المغرب السائر قدما نحو تنزيل نموذجه التنموي والإجتماعي بالجودة والجدية الكبيرتين.