إن كان كأس العالم للسيدات وهو يصل لنسخته التاسعة، التي تنطلق اليوم الخميس بأستراليا ونيوزيلندا، يختزل مسيرة عقود من الزمن، سعت خلالها كرة القدم النسوية لأن تمثل واجهة من واجهات تحرر المرأة وكسر متاريس المستحيل التي نصبها من كانوا يعارضون دخول المرأة لملاعب الإبداع..
إن كان مونديال نون النسوة يحكي عن معاناة ومناجاة، عن آمال وتمنيات، عن أحلام استحالت أحيانا لأوهام، عن سباق رهيب من أجل تقليص الفوارق والهوة عن مونديال الرجال، فإن هذا المونديال بالذات هو لنا كمغاربة وكعرب عيد جميل، وكيف لا يكون عيدا والمنتخب المغربي النسوي سيفتتح حضوره مع صفوة العالم، كيف لا يكون عيدا ولبؤات الأطلس سيكن أول منتخب عربي يشارك برؤوس شامخة في المونديال.
والعيد، لن يكون قطعا مجرد التواجد مع أفضل 32 منتخبا في العالم، صحيح أن منتخبنا الوطني ذاهب للإستمتاع أولا وللإكتشاف ثانيا، ولكن الأهم من هذا وذاك أنه يعرف أن هذا المونديال يعطيه أملا آخر في كتابة التاريخ، فإن اقترن الحضور الأول في المونديال، مع إنجاز عبور الدور الأول، سيكون ذلك حدثا تاريخيا يرصع هامة كرة القدم المغربية بقلادة جديدة تنضاف لكل القلادات التي جنتها كرة القدم المغربية في عامها هذا.
ويمثل المنتخب المغربي الذي يصل مع سبعة منتخبات أخرى لكأس العالم لأول مرة، واجهات من واجهات التحدي الإعجازي الذي أطلقته كرة القدم النسوية في أعوامها العشرة الأخيرة، فإن قارنا بين الطفرة التي حدثت على مستوى صناعة النجاح في الكرة النسوية عالميا، بما تحقق في المغرب، وجدنا ما يقدم من المشتركات ما يقدم تفسيرا للصحوة الكبيرة التي تعيشها كرة القدم بنون النسوة، وهي تمر من لاشي، من صفر كبير إلى مكتسبات هي بالفعل مصدر للفخر والإبتهاج.
فإن سجلت كرة القدم النسوية بالمغرب في ظرف زمني قياسي وثبات عملاقة، بفضل ما خصه بها رئيس الجامعة فوزي لقجع من رعاية، فسجل منتخب الفتيات أقل من 17 سنة بالهند، حضوره الأول في المونديال، وأعقبه التأهل الأول من نوعه للبؤات الأطلس بالمونديال، فإن كأس العالم للسيدات الذي يصل اليوم محطته التاسعة يبرز هو الآخر الثورة التي حدثت على مستوى ما هو مرصود له ماليا، ويكفي القول بأن المبلغ المرصود لمونديال أستراليا ونيوزيلندا والذي يقارب 153 مليون دولار، يمثل ثلاثة أضعاف ما تم تخصيصه لمونديال 2019 بفرنسا، ويزيد عشر مرات عما كان مرصودا لنسخة 2015 بكندا، لنتأكد من الجهد الكبير الذي تبدله الفيفا لتثمين مونديال السيدات، ولتقليص الفارق عن مونديال الرجال، ولو أن مساواة المونديالين يحتاج لعقود من الزمن، كما تحتاج كرة القدم النسوية ذاتها لرأب الصدع وإزالة التناقض الرهيب بين الدول والقارات في الإعتناء بكرة القدم نون النسوة.
لذلك ستكون رحلة الفريق الوطني في دروب المونديال الأول، رحلة استكشافية، ورحلة للتعلم أيضا، ولكن لا هذا ولاذاك يمكن أن ينال من عزيمة سيدات المغرب من أجل كتابة صفحة جديدة من ملحمتنا الكروية الرائعة هذا الموسم، بخاصة وأن منطلق السفر المونديالي مباراة تاريخية أمام المنتخب الألماني بطل العالم في مناسبتين (2003 و2007)، مباراة حتى وإن رجحت خلالها التقاليد والعراقة وتصدر المشهد الكروي النسوي العالمي لفترة من الزمن، كفة المنتخب الألماني، تماما كما حدث مع أسود الأطلس عندما قابلوا في مستهل مونديالهم الأول قبل 53 عاما منتخب المانشافت بالمكسيك، إلا أن زميلات غزلان الشباك يطمحن للنسج على منوال أسود الأطلس، عندما أبهروا العالم كله وهم بنهون الشوط الأول للمباراة متقدمين بهدف الراحل محمد جرير الملقب بحمان.
وإذا كانت الأرقام والمؤشرات وحتى السوابق المونديالية، تجمع على أن المنتخب المغربي هو الأقل حظوظا في عبور الدور الأول، بين منتخبات مجموعته، ألمانيا، كوريا الجنوبية وكولومبيا، إلا أن دور الحصان الأسود يليق بمنتخبنا الوطني، ولعله في ذلك سينسج على منوال منتخبنا الوطني الذي تلاعب بالأرقام والتكهنات في مونديال قطر، ليجدد للعالم ما قالته الأحداث، بأن المستحيل ليس مغربيا.