يضع كل الناخبين الوطنيين المعنيين بكأس العالم بقطر، أيديهم على قلوبهم، فمع اقتراب الموعد الكبير تسقط على الرؤوس أخبار مؤلمة تتحدث عن غياب هذا اللاعب أو ذاك بسبب مضاعفات عضلية، وقد كانت آخر صدمة تلقتها الجماهير المحبة للفن الجميل وجماهير منتخب السينغال على وجه الخصوص، هي الإصابة العضلية التي ألمت بالسينغالي ساديو ماني في مباراة فريقه بايرن ميونيخ أما فيردير بريمن أول أمس الثلاثاء، إصابة برغم بارقة الأمل التي تلوح في إمكانية استشفاء أفضل لاعب إفريقي للسنة، إلا أنها تهدد المونديال بخسارة من اعتبر إلى جانب ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ونيمار وكيفن دي بروين ولوكا مودريتش وأشرف حكيمي، من شهد وجاذبية هذا المونديال الذي سترفع ستارته يوم العشرين من هذا الشهر.
مؤلم حقا أن يتساقط النجوم المؤثرون، من صناع الفرجة، الواحد بعد الآخر قبيل أيام من بداية حدث كروي كوني يتسابق اللاعبون من أجل أن يحجزوا مقعدا في مسارح إبداعه، إلا أن ما يستحق أن نواجه به أنفسنا والفيفا وكل الإتحادات القارية، من أسئلة يفتيها علينا الضمير الإنساني، هو هذه العقوبة المسلطة على اللاعبين، في صورة أجندة نارية ومضغوطة، بدأت منذ شهر يوليوز الماضي وبالكاد ستتوقف نهاية الأسبوع الحالي، ومهما حاول اللاعبون القفز على كثير من المطبات، إلا أنهم يسقطون بشكل لا إرادي، إما مصابين عضليا وإما مضطهدين نفسيا، فكل مباراة تفصلهم عن المونديال هي محرقة لا أحد يأمن لهبها ونيرانها.
طبعا، كان من موجبات إسناد تنظيم كأس العالم للشقيقة قطر، أن يتم لأول مرة تحريك المونديال من الصيف إلى الشتاء، فلا أحد كان سيقبل بتنظيم الحدث الكوني صيفا وسط أجواء مناخية مطبوعة بحرارة قياسية وبرطوبة عالية جدا، حتى في وجود ملاعب مزودة بأنظمة تبريد من الجيل التكنولوجي الجديد، ومع هذا المتغير الإستراتيجي في التوقيت، كان لزاما أن تتعامل الإتحادات القارية والإتحادات الوطنية، بما يضمن للاعبين السلامة الجسدية، ويكفيهم شر التغيب قسرا وقهرا عن المونديال.
إلا أن ما حدث لغاية الأسف أن نرجسية كبيرة صدرت، بخاصة عن الإتحاد الأوروبي لكرة القدم وعن الإتحادات الوطنية الأوروبية، وهي تحشو الزمن الفاصل بين شهر يوليوز وشهر نونبر موعد انطلاق كأس العالم، بمباريات نارية لا تجعل اللاعبين يأخذون نفسهم، فهم ينتقلون من المنافسات المحلية إلى المنافسات القارية بوثيرة جنونية، جعلتهم يلعبون لغاية الأحد القادم 13 نونبر، أي على بعد أسبوع لا غير من انطلاق المونديال، مباراة كل ثلاثة أيام، ولأن المسؤولين عن الويفا وعن الجامعات المحلية بأوروبا، لا يبدون أي استعداد للتنازل عن مصدر ثرواتهم التي تأتي من تسويق البطولات القارية والمحلية، فإن من عليهم أن يؤدوا فاتورة هذا الجشع المصحوب بالنرجسية، هم اللاعبون الذين تعاملهم الأنظمة السائدة كآلات وليس كبشر من لحم ودم، من يجبرون على كتم الأنين والشكوى والصبر على النوازل، وأفظعها عدم الحصول على شرف تمثيل البلد في أرفع وأكبر التظاهرات الكروية الكونية، كأس العالم.
ولم يكف هذا الجلد المبرح الذي يتعرض له اللاعبون، في مشهد يذكر بالمجازر المرتكبة ضد الإنسانية في عهود بائدة، فقد جاء من المدربين من تحدثوا بالتصريح وحتى بالتلميح عن لاعبين إما تمارضوا وإما ادعوا العياء الذهني وإما يلعبون باقتصاد مثير للريبة والشك، لا لشيء إلا ليأمنوا عواقب الإلتحامات القوية والسرعات الجنونية التي تصيب بالهلاك العضلي المفضي إلى مشاهدة كأس العالم من الأسرة البيضاء.
ليكن الله في عون اللاعبين، فهم في النهاية، القربان الذي يساق للسلخانة، للتكفير عن أخطاء النظام الكروي العالمي السائد، إنهم الجناة الذين لا يسمع لهم صوت ولا يقوم لهم دفاع، إنهم المعذبون في الثكنات الكروية التي يجني منها الآخرون الأموال الطائلة، إنهم صناع الحدث والفرح والسعادة الذين يباعون في سوق البشرية أو في سوق الإنتهازية بأبخس الأثمان..