أسرتني منذ اللحظة التي سمعتها تتردد على ألسنة كثير من الزملاء المعلقين العرب، عبارة «الميدان يا حميدان»، وهي تعكس في واقع الأمر حقيقة أزلية في كرة القدم، لم تستطع أن تدحضها أي من الحقائق الناعمة التي توالت على المشهد الكروي، فالميدان أشبه بسيف شاعرنا الكبير أبي تمام، السيف الذي هو أصدق أنباء من الكتب، فيه حده الحد بين الجد واللعب، إنه اليقين الذي يقطع الشك ويزيل الريبة ويخرس الألسنة التي تفتري على التاريخ.
هناك بنيجيريا، بملعبها الجميل «جودسويل أكبابيو» بأويو، جاءنا النهضة البركانية بالخبر الجميل وبالخبر اليقين.
أما الخبر الجميل فقد زف إلينا بشرى تتويج النهضة البركانية بكأس الكونفدرالية بعد فوزه في نهائي دراماتيكي ومثير على أورلاندو بيراتس الجنوب إفريقي بعد اللجوء لضربات الوجع والألم، لتكون هذه الكأس الثالثة تواليا للأندية المغربية، عنوان هيمنة كروية وإبداع مغربي وقدرة رهيبة لسفرائنا على السفر بنجاح للأدغال الإفريقية.
أما الخبر فهو يقين، لأنه يقطع دابر التشكيك ويكسر علامات الهشاشة الظاهرة على الفكر، بل ويفضح كل الذين خاضوا في مستنقعات الكولسة وجردوا هذا الذي يتحقق لأنديتنا إفريقيا من خاصية الإستحقاق، فهل رأى كل هؤلاء حكما يجامل النهضة البركانية؟ هل تنبه المعتمون فوق الأرض إلى وجود مؤامرة حاكتها الكاف لتمنح الكأس لنهضة بركان؟
الذين لا يستطيعون تنسيب النجاحات المغربية لمنطق الإشتغال، والذين يسعون فسادا في الأرض، ويتعمدون عدم ربط إنجازات كرة القدم الوطنية على مستوى الأندية باستراتيجياتها ورؤاها ومنظومات اشتغالها، حتى وإن كنا نراها مختلة وناقصة، هم الذين يفترون ويوسوسون وينشرون بيننا الأكاذيب، ولا أتصور أن من يقف على ناصية المسؤولية وفي غرف القرار داخل كرة القدم الوطنية يجهلون لهذه الوساوس والفقاعات مصدرا، كما لا أظنهم سيعطون لهذه الهذيانات أكثر من حقها، وقد تأكد لنا جميعا أنها شبيهة بزبد البحر الذي يذهب غثاء.
هنيئا للنهضة البركانية بكل مكوناتها هذا النجاح القاري الجديد، وهو نجاح لمنظومة عمل ولأسلوب اشتغال، وهنيئا لكرة القدم الوطنية بما أنجزه فارس الليمون، فهو قلادة شرف بلا أدنى شك، ولكنه فوق هذا وذاك محفز على مواصلة العمل بذات الإصرار والعزيمة التي لا تكل ولا تيأس ولا تتأثر بكل رياح التشكيك التي تهب من مستنقعات الفساد.
<< يعرفنا الأشقاء المصريون كما نعرفهم، يتحدث عنهم تاريخهم كما يتحدث عنا، وتختال في ربوعهم حضارتهم، مثلما تسكن حواضرنا وبوادينا حضارتنا الموغلة في القدم، وكلانا يعرف أنه درع حام للعروبة من النيل حتى المحيط، ولو بحثت الضيافة والكرم والإيثار والإحتفاء بالضيف، عن مرادفات وتعابير ومجسمات، لوجدت لها الشيء الكثير في إرثنا الثقافي والإنساني المشترك، فهل يشك الأشقاء المصريون للحظة في أنهم سيكونون في موضع بؤبؤة العين عندما يأتون إلى ديارنا ليشهدوا معنا نهائي عصبة الأبطال الإفريقية يوم الإثنين القادم؟
هل يحتاج فرسان النيل لكي نقول لهم أنهم إن أتونا كانوا هم أهل الدار، وإن بحثوا عن أمن وأمان ما وجدوه أكثر من مغرب الأمن والأمان؟
مناسبة هذا الكلام المعلقة التي حررها النادي الأهلي المصري وعلى رأسه أسطورته محمود الخطيب، وحولها بشكل علني للكاف، تحدد مجموعة مطالب، في صورة شروط، ولا أظن أن «بيبو» يجهل المثل المغربي الشائع والدال على أخلاقنا والذي يقول «الضيف ما يتشرط ومول الدار ما يفرط»، ولا أخاله أيضا يجهل كم أبدع الضيوف من غير العرب على المغرب، في وصف كرم الضيافة وأناقة الحفاوة وصدق الترحيب، لا أظنه يجهل كل هذا، لذلك فاجأني أن تتضمن مطالبه الصادرة للكاف على أنها أوامر، بأن يحصل النادي الأهلي على ضمانات بمنح جماهيره التأشيرة وبأن يهيئ الحماية لهذه الجماهير، وما إلى ذلك من التعبيرات التي قصدت التشكيك في أهلية المغاربة لتمتيع هذا النهائي، وهو عرس كروي عربي خالص بإيقاعات إفريقية، بكل ظروف النجاح لكي يخرج من الخيمة مبهرا وجميلا وفتانا.
أقبل أن يكون الأهلي مغتاضا بل وغاضبا من قرار إجراء نهائي الأبطال بالمغرب، بوجود الوداد طرفا ومنافسا فيه، وأتجاوز أن يكون قد حاد الأهلي عن جادة الصواب في ربط هذا الإمتعاض بحقيقة تعيين مركب محمد الخامس بالدار البيضاء مسرحا للنهائي، إلا أنني كما كل المغاربة لا أقبل بأن يذهب الإمتعاض بناس الأهلي وب«بيبو» الطيب إلى حد الشك ولو للحظة، في أنهم سيكونون فوق الراس، مرحب بهم كما العادة في مغرب الكرم والأمن والأمان.