بالطبع أربكنا وأحزننا ما نزل على الرؤوس كالصاعقة، الخميس الماضي، والصحف الإسبانية تنشر مختالة ومزهوة، خبر رفض الشاب المغربي عبد الصمد الزلزولي دعوة الناخب الوطني وحيد خاليلودزيتش، للتواجد مع أسود الأطلس بالكاميرن للمشاركة في كأس افريقيا للأمم..
أربكنا الخبر لصيغته وتوقيته، وأحزننا لأننا بالفعل خسرنا معركة من أجل أن نرتفع بأبنائنا فوق كل مغريات التجنيس، وفوق كل ما يتعرضون له من ضغوط رهيبة من أجل أن يتنكروا لوطنهم..
ما كان يجب أن نسمي الأمور بغير مسمياتها، فما جعل الإسبان يسابقون الزمن من أجل تجنيس عبد الصمد الزلزولي بل ووضعه تحت ضغط رهيب، ما جعل برشلونة تتحالف مع الإتحاد الإسباني لإحكام الطوق على عنق عبد الصمد الزلزولي، هو أن رحيله في هذا التوقيت بالذات عن برشلونة يمثل ضربة موجعة للمدرب تشافي الذي يعيش داخل دوامة التوتر، جراء ما يتكالب على فريقه وحتى على مشروعه، وأن لاروخا انتظرت الوقت المناسب لتعيد الضربة الموجعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بعد حادثة منير الحدادي الذي أشهر عصيانه على المنتخب الإسباني وسعى لتغيير جنسيته الرياضية، وهو اليوم سعيد بتواجده في عرين الأسود مع منتخب وطن الأب والأجداد.
طبعا ما كان أحد بيننا سيلوم وحيد خليلودزيتش، على أنه لم يناد على عبد الصمد الزلزولي ليتواجد بالكان، وما كان أحد سيعتب على الجامعة أنها لم تلح على دعوته في هذا التوقيت بالذات، لأن وحيد ما استدعى للكان إلا اللاعبين الذين عرقوا عليها، وثانيا لأن الجامعة لم تعتبر أن ملف عبد الصمد الزلزولي يحتاج لتحرك خاص، على غرار ما حدث مع غيره، من الحدادي إلى ريان مايي، مرورا بعمران لوزا وإلياس شاعر، فاللاعب إلى الآن جنسيته الرياضية مغربية، بالنظر إلى أنه تواجد مع الأشبال في كأس العرب، وبالنظر إلى أنه كان مستدعى لمنتخب الأولمبيين، ولا أظنه إلا تفاجأ بدعوته لكأس إفريقيا للأمم، فما كان هذا الأمر سيحدث إطلاقا لو ظل الزلزولي لاعبا للوغرونيس.
حالة الإستعجال هاته، والتي كسرت في الواقع منظومة الاشتغال التي عمل بها وحيد مع اللاعبين مزدوجي الجنسية، هي التي أثارت كل هذا الضجيج ورفعت في المدى كل هذا الغبار، غير ذلك، لربما ما كنا سنجد أن برشلونة ستضغط على اللاعب ليبقى بالنيو كامب، وتدفعه لرفض دعوة الناخب الوطني، ولما وجدنا الإتحاد الإسباني لكرة القدم يتحرك بشكل بديئ ليربط مستقبل الزلزولي بمنتخب لاروخا، وليدفعه إلى تحرير رسالة وجهها للجامعة، لا يلتمس فيها إعفاءه من المشاركة في كأس إفريقيا للأمم بالكاميرون فقط، بل إنه ذهب لما هو أبعد، إلى التصريح بأنه يريد تمثيل لاروخا، وهذا تحديدا ما يؤكد وجود فرضية المؤامرة لدى إتحاد إسباني له سوابق كثيرة، وبعضها وسخ مع التجنيس.
وإذا كان هناك من يلتمس للشاب عبد الصمد الزلزولي العذر في ما صنع، بحكم ما تعرض له من ضغوط رهيبة، فأنا أحيلهم وأحيل نفسي على البرغوث والأسطورة ليونيل ميسي، الذي قدم إلى برشلونة من الأرجنتين وعمره لا يزيد عن 12 سنة، وما سمح والداه ولا سمح هو بعد أن استوى عوده التخلي عن جنسيته الرياضية، عن فخر الإنتماء للأرجنتين، لا أستطيع أن أنفذ إلى غور التجارب التي مر منها لاعبون غير إسبان جرى تجنسيهم، في أزمنة ماضية، من كوبالا إلى إنسو فاتي، مرورا بدي ستيفانو وبوشكاش ودوناطو وماركوس سينا وبيتزي ودييغو كوسطا، لأطلع على الخبث الذي مورس على كل هؤلاء، إلا أنني مندهش أن يسقط الزلزولي وكل محيطه بهذه السهولة تحت الضغوط والإغراءات، وما كان ماثل أمام عينيه من نمادج (المحمدي، حكيمي والحدادي) يجعله يقاوم عل هذه المغريات، لأن برشلونة أن تشبتت به فليس لسواد عيونه بل لموهبته..
لست أدري كيف ستكون أيام عبد الصمد الزلزولي، ولا حجم تأثير هذا القرار على مساره الرياضي، إلا أنني واثق من أن بالمغرب العشرات من الزلزولي الذين يحتاجون إلى من يصقل مواهبهم ويرفع قدرهم ويدخلهم لفلك الأندية الكبيرة.