إلى الرجاء البيضاوي سيأتي رئيس جديد بمعية من سيراهن عليهم من أعضاء يرافقونه في مهمة القيادة، ولا حاجة للتأكيد على أن هذا الذي سيمنحه برلمان الفريق رخصة القيادة، لابد وأن يتمثل جيدا ما مر على الرجاء البيضاوي في السنوات الأخيرة من محن تنوء بحملها الجبال..
بالقطع ليس القصد أن نزن القائد الجديد للنسور بما هو موجود في حسابه البنكي، فلا قبل لفريق مرجعي كالرجاء، بل لا قبل لكرة القدم المغربية في زمن تتبيث قيم الإحتراف بالمراهنة على مسيري «الشكارة»، ليس القصد أن يأتي لتسيير الأندية من غرفة القيادة رجال مفلسون، لكن القصد أن الأندية وأن الرجاء تحديدا، يحتاج لرجل بتكوين إقتصادي واستثماري، يستطيع بمهارات التدبير المكتسبة لديه أن يضع الفريق في مأمن من كل مخاطر الأزمات المادية، كالتي هزت بعنف كيان الفريق ووضعته على حافة الإفلاس.
وعندما نستحضر الصور المرعبة التي أفرزها مشهد الرجاء البيضاوي في سنواته السبع الأخيرة، وهو يمر من فريق مرفه ماليا بعد الذي جناه من وصافته لكأس العالم للأندية من عائدات مالية ضخمة، إلى فريق مفلس تشنقه الديون فتكاد تقطع حبال رقبته، يستفزنا ذلك كله، لنشدد على أن مسؤولية برلمان الرجاء وكل أجنحته الداعمة كبيرة في اختيار الربان القادم، فلا حاجة للتأكيد على أن تدبير الزمن القادم يتطلب استراتيجية اقتصادية تحصن مالية الفريق وترفع مستويات التمنيع لدرجات عالية لكي لا يتكرر الوضع الكارثي الذي استنفر قوى كثيرة لتفتيت الأزمة.
هناك حاجة للتصويت على نموذج إقتصادي متطور يحول الرجاء إلى مقاولة منتجة ومربحة، وأكثر منه مقاولة لديها القدرة على مواجهة العوارض كالتي ضربت العالم كله وجائحة كورونا تستوطن عالمنا لمدة زمنية طويلة.
وعندما يتعلق الأمر بنموذج اقتصادي متطور، فليس القصد أن يبدع فريق العمل الجديد فنا جديدا في الإستجداء، ولكن أن يضع الرجاء في صلب مشروع استثماري ضخم، يعمل على الإنفتاح على الرساميل، حتى الأجنبية منها، للإستثمار كما ينبغي في الإرث الضخم لفريق له مرجعية عالمية وله قاعدة جماهيرية ضخمة، بل يمكن القول أنه إرث لامادي غير مستثمر..
لا قبل للجمع العام القادم للرجاء بأن يكون مسرحا للتجاذبات كيفما كانت طبيعتها، فلو غطت السحابات السياسية سماء هذه الجمع، لكان ذلك وبالا على الفريق، لذلك، لابد وأن تحضر الحكمة في اختيار الربان القادم الذي سيكون لزاما أن يتجاوب فكريا ورياضيا واقتصاديا مع مرحلة دقيقة يجب أن يعيشها الرجاء، مرحلة اللاعودة لزمن البؤس الإقتصادي والتناطح الرياضي، مرحلة تحصين الفريق ضد كل الموبقات التسييرية التي أفرزت وضعا أدمى القلوب..
لماذا يصر أبرشان ومعه فريق العمل على تقديم الإستقالة الجماعية من المكتب المسير لاتحاد طنجة في هذا التوقيت بالذات؟
ألم يكن ممكنا أن يتريثوا قليلا، إلى أن يزول عنهم القلق ويبرد في ضلوعهم الإحباط؟
ألم يكن ممكنا أن تكون هذه الإستقالة قبل بداية الموسم وقد أيقن جميعهم أن لا مناص من الرحيل، على الأقل ليظل الفريق في مأمن من تداعيات هذه الرجة العنيفة؟
ما أعرفه أن حميد أبرشان هدد غير ما مرة بتقديم الإستقالة، إما لعدم قدرته على تصريف الغضب الجماهيري العارم وفارس البوغاز يتورط في وضعية رياضية متأزمة لا تليق بفريق توج بطلا قبل سنوات قليلة، أو ليأسه من وجود داعمين فعليين في مدينة تعتبر هي الثانية بعد الدار البيضاء في حجم الإستثمارات والنشاط الإقتصادي.
واليوم وهو يفعلها لا نادما ولا غاضبا ولا قابلا بأي مساومة، فهذا معناه أن اتحاد طنجة سيدخل نفقا مظلما يسود أفق الفريق، إذا لم تلتئم فعاليات الفريق على عجل، لتنهي سريعا حالة الفراغ التسييري والإداري، وقد تأكد أن هناك استقالة جماعية من كل فريق عمل أبرشان.
لو عاتبنا أبرشان قراطا واحدا في افتعال هذه الأزمة، لعاتبنا مدينة طنجة عشرة قراطات، لأنه من غير المستصاغ أن يترك فريق يمثل حاضرة سياحية واقتصادية كبيرة عرضة لطواحين الخصاص المالي تضرب رأسه وتفجعه بل وتمنعه من أن يستشرف الأفق القريب.
هناك حاجة لأن نربط الرياضة والثقافة والفن بمولدات الثروة ببلادنا، فلا يعقل أن تترك المؤسسات الصناعية والشركات الإقتصادية تنتفع بخيرات المدن من دون أن تساعد رموز هذه المدن من رياضة وثقافة وفن على تنمية إنسان تلك المدن، وإلا فمن أين تأتي هذه الشركات والمؤسسات الإقتصادية والصناعية بعبارة «الشركات المواطنة»؟!