قطعا لكل موسم كروي بطل يرفع الدرع، دلالة على تفوق رقمي وتميز تكتيكي وتدبير ذكي لثلاثين جولة تختلف مقاساتها وهواجسها وحتى فصولها، لكن ما بات يشغلنا أكثر ونحن نطوي المواسم الكروية تباعا في زمن الإحتراف، ما قطعناه من مسافات على درب إحلال فكر احترافي معبر عنه تدبيريا وهيكليا، كرويا واقتصاديا، فمنذ أن أعلنا بطولتنا إحترافية، وكنا سابقين لذلك في قارتنا الإفريقية، ونحن نرصد ما كان من حبو عسير، ومن مقاومة للتغيير ومن هلوسات في تنزيل أنجع تدبير.
لا أنكر أن كرة القدم الوطنية وقد اختارت تناغما مع روح العصر وخضوعا لأحكام كرة القدم المستوى العالي، أن يكون لها الإحتراف نظاما ومنهاجا وأسلوب حياة، اخترقت العديد من الدروب الضيقة ورسخت بالتدريج عقلية جديدة في تسيير الأندية، قد تكون أبطأت الخطى وقد تكون بالغت في فترات الإحماء، لكن المهم أن قطار التغيير تحرك من محطته.
وما شاهدناه مثلا في نهاية الموسم والجامعة ومن خلفها الفيفا والكاف، يرفعون الكثير من اللاءات في وجه الأندية المخالفة، ويهددونها بعدم الدخول للميركاطو الصيفي ما لم تتم تصفية النزاعات المحكوم بشأنها دوليا ووطنيا، هو تعبير واضح عن أن السير في الطريق الإحترافي، كما يمنح حقوقا وامتيازات فهو يفرض التزامات لا محيد عنها، وأولها أن تحترم الأندية الروح الرياضية المالية، بمعنى أن تضبط مصاريفها على مقاس عائداتها، فلا خروج عن النص المالي ولا تكسير لإشارات المنع المنتصبة في الطريق.
بالطبع ينتظر كلنا أن تكتمل أكبر حلقات المنظومة الإحترافية، بأن تبدأ الشركات الرياضية المحدثة أو المتعاقد معها في تأثيث المشهد الكروي، لأن من شأن ذلك أن يضعنا أمام تدبير مقاولاتي للأندية، تتقاطع فيه الإختصاصات ولا تتداخل، ويصبح من خلاله للأندية قدرة على تسويق الرساميل البشرية والفنية بأفضل طريقة ممكنة.
لذلك سيكون الموسم الكروي الذي أعطى الفريق الوطني انطلاقته عندما واجه منتخب السودان في تصفيات كاس العالم، وسيجري تفعيل أهم مرتكزاته بانطلاق البطولة الوطنية في نسختها الإحترافية الحادية عشرة اليوم الجمعة، حاسما في استكمال العمل فيما بقي من أوراش استراتيجية حتى تكتمل وتستقيم المنظومة الإحترافية، فالأندية ستجرب هذا الموسم التعامل الجبائي والضريبي بنسب تفضيلية وستتقدم حثيثا على درب التأسيس للمرجعية الإحترافية، لذلك سيكون ضروريا أن يحصل نوع من التعبئة الجماعية، والقصد أن لا تترك الأندية وحيدة في معترك التغيير بكل طواحينه وهواجسه، إذ المفروض أن تقف الدولة إلى جانب الأندية لمساعدتها على تحمل هذا العبء الثقيل، على الأقل بأن تعيد لها منحها السنوية التي احتجبت لظرف كورونا الطارئ.
نفتتح إذا موسما كرويا جديدا في ظل متغير سياسي كبير، فالمغرب سيتعرف من خلال الإستحقاق الإنتخابي الذي انقضى أمس الأربعاء على نخبه السياسية الجديدة، على من سيقلدون أمانة تدبير الشأن العام، ومن شأن الخريطة السياسية الجديدة أن تفرز أملا في وضع الرياضة في صدارة الأولويات، ومن تلقاء ذلك مساعدة كرة القدم على الخصوص لربح الرهان الإحترافي.
هو موسم فاصل في الزمن الإحترافي، لأن المؤمل هو أن تنطلق الشركات الرياضية في العمل، وأن تشهر الأندية المتصدرة للمشهد الكروي أكاديمياتها ومراكز تكوينها لتطير الرأسمال البشري الوطني من المواهب، وهو أيضا موسم كروي انتظاراته ورهاناته الرياضية كثيرة جدا، لعل أبرزها أن ينجح الفريق الوطني في تحقيق التأهل السادس من نوعه والثاني تواليا لكاس العالم، والحال أنه أمن لنفسه الإنطلاقة الجيدة بنيله النقاط الثلاث الأولى أمام السودان، كما أن انتظارات المغاربة كبيرة من المونديال الإفريقي بالكاميرون الذي سيدخله أسود الأطلس بداية السنة برهان تحقيق ما هو أفضل من الدور ثمن النهائي.
وقبل أن يختبر الأسود قدرتهم على تفعيل الرجاء بالمنافسة على اللقب القاري، سيستدعى منتخبنا الرديف للمشاركة نهاية السنة الحالية في نسخة استثنائية وغير مسبوقة لكأس العرب بقطر، كما سيكون أسود القاعة أمام رهان عبور الدول الأول لكأس العالم المقامة هذا الشهر بليتوانيا.
وطبعا سيكون السفراء الأربعة الموكول لهم تمثيل كؤرة القدم الوطنية على الواجهة الإفريقية (الوداد والرجاء البيضاويين والجيش الملكي والنهضة البركانية) المراكمة على النجاحات التي تحققت في السنوات الأخيرة، عندما رفعت هذه الأندية مؤشر النجاح في عصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية لمستويات عالية، وسيكون الجيش الملكي أول المنطلقين في رحلة التحدي، عندما يلاقي الأحد القادم نادي بيفل دو بورغو البنيني في ذهاب أول الأدوار التمهيدية لكأس الكونفدرالية.
موسم جديد بأحلام وتطلعات وأماني كبيرة، وبانتظارات عريضة، وأيضا بأسئلة كثيرة نتمنى أن تكون لنا القدرة على تقديم إجابات شافية بشأنها، كل في مجال اختصاصه.. 
بطل سيرفع الدرع وكلنا سنرفع التحدي..
والله المستعان.