بالقطع لن نجد كبير اختلاف بين السوبر ليغ الإفريقي الذي يعيش آخر مراحل المخاض قبل الميلاد، وبين السوبر ليغ الأوروبي الذي جرى وأده، فالفكرة هي نفسها والغاية هي ذاتها والأبعاد الرياضية والإقتصادية المراهن عليها لا تختلف عن بعضها، لكن ما هو مرحب به في القارة الإفريقية، مرفوض بل وملعون في القارة الأوروبية، لا لشيء إلا لأن من أطلق الفكرة في القارة العجوز أندية اختنقت اقتصاديا بسبب الطوق الحديدي للويفا أولا وبسبب جائحة كورونا ثانيا، في حين من أطلق الفكرة هشة ورخوة بقارتنا الإفريقية أولا هو جياني إنفانتينو رئيس الفيفا، ومن إلتقطها بفكر الرجل الإقتصادي والمستثمر هو باتريس موتسيبي رئيس الكونفدرالية الإفريقية، أي أن التبعية للمؤسسات شرط لا محيد عنه لمباركة أي مخرج تبدعه الأندية الواقعة تحت الوصاية من الضائقات المالية، وللإستثمار أكثر في جماهيرية كرة القدم، وهنا طبعا تفرقنا بين مؤيد لهذه التبعية وبين رافض لها بسبب أنها تسلب الإرادة وتكسر الإستقلالية.
لنترك السوبر ليغ الأوروبي يبحث عن صك براءته، ولنأت للحديث عن السوبر ليغ الإفريقي الذي كان ملفا ثقيلا على طاولة النقاش خلال اجتماع المكتب التنفيذي للكونفدرالية الإفريقية يوم الجمعة الأخير بمركب محمد السادس لكرة القدم بمدينة سلا، والمؤكد أن صناع القرار تقدموا خطوات كبيرة في تشكيل المشروع قبل الكشف عن هويته كاملة في الأسابيع القليلة القادمة.
يبدو واضحا أن هذا السوبر ليغ الإفريقي الذي كان إنفانتينو من أول المبشرين به، يمثل للقيادة الجديدة للكاف خيارا استراتيجيا لتحقيق الإرتقاء المنشود لكرة القدم الإفريقية، ولو لم يكن موتسيبي قد تحصل على الضمانات المالية للرعاية والتسويق، وهو ما تبرره الأرقام المتداولة (3 مليار دولار رقم معاملات خلال دورة زمنية من 5 سنوات، و200 مليون دولار مكافأة للبطل)، كما أن إطلاق هذا المشروع في هذا التوقيت بالذات يتزامن مع تحول كبير سيطرأ على المسابقات الكبرى عالميا وقاريا، من أجل توسيع دائرة الإستفادة المالية درءا للمخاطر الإقتصادية الكبرى التي ظهرت شرسة بل وقاتلة مع جائحة كوفيد 19.
وعلى الرغم مما أبديه شخصيا من حماسة لهذا السوبر ليغ الإفريقي، وهو في هيئته الخالصة بل والنيئة، باعتباره بديلا جيدا لعصبة أبطال إفريقية اهترأت وشاخت وأصبحت مبتذلة من فرط النمطية التي تسيطر عليها، إلا أنني أستبق كغيري لأطرح بعضا من أسئلة الشك والتوجس، بخصوص ما هو مبهم حتى الآن في الصورة، ما هو غير مفسر بخصوص شكل هذه المسابقة، نمط تدبيرها وأبعادها الرياضية قبل الإقتصادية.
بالطبع لا أحد سيقبل بسوبر ليغ إفريقي محتكر من أندية بعينها حتى لو كانت تتمتع بقدرة كبيرة على الجذب لقاعدتها الجماهيرية الكاسحة، لا أحد سيرضى بأن يكون هذا السوبر انتقائيا يفاضل بين الأندية بحسب إغرائها للمعلنين والمستشهرين لا بحسب إنجازاتها محليا، لا أحد سيقبل بأن يمارس السوبر ليغ سياسة الإقصاء على الأندية التي تنعت وتوصف بالمستضعفة، فيأتي بعد كل هذا ظالما لا عادلا.
ومع شرطية التحري عن هذه الأشياء مجتمعة، لأن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم مسؤولة عن عائلة كرة القدم الإفريقية برمتها وراعية لمصالحها، فإنه وجب الترتيب جيدا لإطلاق هذا السوبر ليغ الإفريقي، بحيث يكون الميلاد سلسا وناعما لا قيصريا، وبحيث تؤمن الكاف له كل ظروف العيش السليم حتى لا يولد مشوها وحتى لا يخرج من الخيمة معاقا، ونحن أعرف بما تحتاجه القارة الإفريقية من ملاعب ومن استثمارات ومن حكامة في التسيير لكي نأمن على هذا السوبر ليغ من كل ما سيتهدد لا محالة في طفولته، من شقاء ومن مثبطات ومن انحرافات في خط السير تفقد التوازن أحيانا.
والذين يفكرون بأن إفريقيا هي مختبر تجارب لهكذا مشاريع ذات طبيعة ثورية، للوقوف على تداعيات المشروع في أصعب بيئات التنزيل، هم بالتأكيد واهمون، لأن إفريقيا وهي تؤمن بأن السوبر ليغ هو رافعة بل وعماد لخيمة جديدة تنفتح كليا على ضوء العالم وترسل لكل العالم نور الأمل، ستبدي كل الطموح من أجل أن يكون هذا السوبر صناعة إفريقية خالصة، مولودا جميلا تقدمه «ماما أفريكا» جميلا وجذابا في سمرة أماسي السحر الطالعة من البراري..