هل تعمد الوداد البيضاوي أن يرمي بنا في فيافي القلق والتوجس ويفرض علينا أن نمشي معه على الجمر في مباراته أمام مولودية الجزائر في الإياب المرتجف لعصبة الأبطال الإفريقية؟
بالقطع لا، لأن مجرد التفكير في جر المباراة إلى تعادل أبيض يضمن تلقائيا العبور للدور نصف النهائي، هو إعلان ضمني عن الإنتحار، هو لعب بالنار، وهو شروع في الجنون، فلا أحد كان يضمن أن لا يتمرد «الشناوة» على تواضعهم الجماعي ليحدثوا بمركب محمد الخامس زلزالا على درجة عالية من الصدمة.
الوداد أكره على أن تكون مباراته بتلك الرتابة وبذاك الهدوء المخيف، فقد أربكني أيما إرباك، وأنا أشاهد فوزي البنزرتي يدخل مباراة أولمبيك أسفي يوم الثلاثاء الماضي بتشكيله الأساسي والنموذجي الذي لعب تقريبا مباراة الذهاب أمام مولودية الجزائر بملعب 5 جويلية بالجزائر العاصمة، فما فهمت قصدا من ذلك، غير أن البنزرتي لا يريد أن يفرط في أي جبهة من الجبهات التي يقاتل من أجل الظفر بألقابها مجتمعة، وما سأستنتجه بعد ذلك، هو أن المجازفة باللعب بالفريق الأساسي أمام القرش المسفيوي، مع أن للوداد ترسانة بشرية كبيرة وتتساوى فيها الفرديات والخامات الفنية، كان أمرا مكلفا، فما شاهدت عليه لاعبي الوداد من انقباض ومن نقص في الطراوة البدنية تسبب في اختناق الشريان الإبداعي، وفي غياب الإنسيابية عند بناء الهجمة المنظمة، ليس له ما يبرره سوى أن لاعبي الوداد مضغوطون ذهنيا وبدنيا، ومتى تجاوز هذا الضغط الحدود متى كان وبالا على الفريق بل وطمسا للمعالم وللهوية.
بالطبع كان بإمكان الوداد أن يفك شفرة المباراة ويفرض على مولودية الجزائر الخروج من كماشته الدفاعية المغالى فيها، لو نجح الكعبي، وآه منك يا الكعبي، في التسجيل من الفرص التي سنحت له، إلا أن حالة الإستعصاء وعدم قدرة الوداد على ترجمة تفوقه الكمي والكيفي على أرضية الملعب، قادتنا للحظات عصيبة دخلنا معها مدن الخوف واستحضرنا سيناريوهات حزينة مودعة في الذاكرة، كلما تذكرناها إلا وهاج فينا الأسى والأسف.
كان ضروريا أن ننتظر الثواني الأخيرة لتفك العقد، ولكي يتمكن وليد الكرتي المصباح المنير، من وضع إسمه عنوة في ذاكرة المواجهة، بعد أن أسقطته بالعمد منها صفارة الحكم الأثيوبي باملاك تيسيما في مباراة الذهاب وهي ترفض له هدفا ليس هناك أنصع ولا أوضح منه، ولكي يعبر بنا الوداد دور الربع بأعصاب مشتعلة.
وما فعله فوزي البنزرتي بالوداد، لم يفعله مواطنه لسعد الشابي بالرجاء، فعلى العكس من شيخ المدربين التونسيين فوزي، الذي يؤمن أن لا مباراة عنده تقبل المناورة، ولا مباراة يدخلها بحسابات غير حسابات الفوز، جاء الشاب الشابي مستجيبا للقدر ومتفهما للإكراهات التي واجهت نسوره العائدين من رحلة طويلة ومرهقة من جنوب إفريقيا، فقرر أن يريح ما لا يقل عن 6 لاعبين تواجدوا بجنوب إفريقيا خلال مباراة يوم الخميس أمام المولودية الوجدية، ولا أخاله قد ندم مطلقا على نظام التدوير، لأن من تقلدوا أمانة اللعب أمام سندباد الشرق، أنجزوا المهمة وحققوا فوزا بثنائية، ولأن ما فعله بكثير من الأساسيين بإراحتهم، أعطته مباراة الأمس أمام أورلاندو كل الحق فيما فعل بل وجازته على ذلك.
الرجاء البيضاوي بكامل التعبئة بدنيا، سيتمكن من تجريد أورلاندو بيراتس من بعض الآمال التي جاء متمنطقا بها، بل إنه من شوط واحد سيتمكن من قتل الدب وبيع جلده بالتقدم برباعية نظيفة، وسيسحب باكرا ومن دون أي مجازفة أو وجع تذكرة العبور للمربع الذهبي لكأس الكونفدرالية، اعتمادا على الطراوة البدنية للاعبيه واعتمادا بعد ذلك بدرجة أقل على رعونة الدفاع الجنوب إفريقي الذي يرتكب أخطاء بدائية كلما قوي الضغط عليه.
في النهاية نحن سعداء بأن يكون الوداد والرجاء قد بلغا معا الدور نصف النهائي لعصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية، وذاك تأكيد على أن الكرة المغربية باتت من السواعد القوية للمنافسات الإفريقية، بالقطع لن يقف لا الوداد ولا الرجاء يريدان الوقوف عند هذا الحد، وتكرار ما حدث معهما العام الماضي، فالأحلام كبيرة كبر المحيط وشاسعة شساعة المتخيل الودادي والرجاوي لكي يكون المغرب حاضرا في النهائيين القاريين، وبعدها سيحق لنا أن نحلم بأول سوبر إفريقي مغربي خالص بين الكبيرين.