باستحضار نظرية المؤامرة التي لا تفارق مشهدنا الكروي، وأمام كل عجز عن تنسيب الهزائم والإخفاقات للعوامل الموضوعية، فإن الحكام مذنبون، جناة ومتواطئون، كانوا كذلك قبل أن يصبح ال«ڤار» أداة جد متطورة لاستكشاف أخطاء المعاينة، وهم اليوم جناة ومتواطئون حتى مع حضور ال«ڤار»، مع أن ما تغير في المشهد الكروي الوطني، منذ أن قررت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إدخال تقنية استعانة الحكام بتقنية المشاهدة بالفيديو وصرفت حيال ذلك مبلغا ماليا ضخما، أشياء كثيرة، فما تخطئ عين الحكام في رصده وجرده ومشاهدته لوجود معطلات مختلفة، تستطيع غرفة ال«ڤار» أن تتنبه إليه وتشير على الحكم بتعديل قراراته تحقيقا للعدالة.
ومن تصوروا أنه بوجود غرفة ال«ڤار» ستصبح مباريات كرة القدم خالية من الأخطاء، فهم واهمون، لأن هذه البرمجيات التكنولوجية والمعلوماتية حتى وإن رفعت عاليا سقف الوضوح ورفعت درجة الصواب في بناء القرارات التحكيمية، إلا أنها لا يمكن أبدا أن تلغي العنصر البشري، لأن من يجلس في غرفة ال«ڤار» حكم مؤهل، ما يفرقه عن حكم الساحة أنه يستطيع تبين الحالات المثيرة للجدل بنظام الإعادة البطيئة إلى أن يقف على حقيقة ما إذا كان حكم الساحة قد أصاب أو لم يصب في اتخاذ أي قرار، وما يمنحه القانون صلاحيات واسعة لكي يكون شريكا مباشرا في صناعة القرارات، ولا أحد على الإطلاق يمكن أن يقول أن نسبة الخطأ هي صفر.
مناسبة هذا الكلام ما أصبحنا نشاهده مؤخرا من تصاعد في وثيرة الإحتجاج على الحكام بخاصة عندما يعدلون من قراراتهم الأصلية، كما كان الحال ضربا للمثال لا بغية الحصر، في مباراة الوداد البيضاوي والنهضة البركانية، عندما أعلن الحكم ياسين بوسليم عن ضربة خطأ مباشرة للوداد بعد أن أسقط مؤيد اللافي من عمر النمساوي على حدود منطقة الجزاء، وقد بدا قراراه مشروعا لوجود فعل العرقلة، بل إننا تبينا مع سرعة الحركة أن العرقلة حدثت خارج المنطقة، إلا أن بوسليم سيتلقى اتصالا من حكم ال«ڤار» رضوان جيد يخبره بأن الحالة تستوجب الإعلان عن ضربة جزاء لأن فعل العرقلة حدث على الخط، وهو ما لم يتردد معه بوسليم في الذهاب لنقطة الجزاء، بل إنه لم يذهب حتى للشاشة ليطمئن قلبه أو على الأقل ليرضي لاعبي النهضة البركانية الذين وصلوا لدرجة غير مقبولة من التوتر في التعبير عن عدم رضاهم، ما تسبب لهم في بطاقات صفراء وفي احتقان ذهني، وهم من كانوا بحاجة إلى ما يزيدهم ارتباطا وتعلقا بالمباراة أملا في تغيير مجراها.
وفي مباراة الكأس بين رجاء بني ملال وحسنية أكادير، ونتيجة لاحتكاك بين حارس الحسنية عبد الرحمن الحواصلي ومهاجم رجاء بني ملال غونازو، سيتلقى حكم المباراة جمال بلبصري من غرفة ال«ڤار»، إشارة تقول بأن الطريقة التي تدخل بها الحواصلي تستوجب الإعلان عن ضربة جزاء، بالطبع قابلها لاعبو الحسنية بصيغة مغالى فيها من الإحتجاج، وأورث ذلك حالة من التشنج وفقدان التركيز لديهم.
برأيي أن لاعبي الأندية الوطنية وهم يصدرون هذه التعبيرات السيئة عن عدم رضاهم على قرارات الحكام، بل ويساهمون في رفع درجات الإحتقان، يجب أن يستوعبوا حقيقتين إثنتين..
أولهما أن لا حكم إلا ما نذر تراجع عن قراره، وإن ظن اللاعبون أنهم سيؤثرون بقوة الإحتجاج على قرارات الحكام فهم واهمون.
ثانيهما أن اللاعبين حتى وإن شاهدوا اللقطات المثيرة للجدل بالعين المجردة، فإنهم لن يكونوا أبدا بالدقة التي يكون عليها حكم ال«ڤار»، وهو يعيد اللقطة مرة ومرتين ومن زوايا مختلفة، حتى أنه يأخذ أحيانا وقتا طويلا نعيبه عليه، إذا فما الفائدة من الإحتجاج أحيانا بالصور الفجة التي نشاهدها، إن لم يكن مفعول ذلك عكسيا على ذهنية اللاعبين أنفسهم وهم يحصدون بسبب ذاك الإحتقان الأوراق الصفراء والحمراء.
وإذا ما نحن قارنا بين ما كان يحصل في زمن ما قبل «الڤار»، من أخطاء في رصد حالات التسلل التي تأتي منها الأهداف ومن أخطاء في تبين الأخطاء الموجبة لضربات الجزاء، وما تعرضت له الأندية من ظلم كبير، وبين ما يحدث اليوم في زمن ال«ڤار» وقد تقلص كثيرا هامش الخطأ، سنجد أن الفوارق كبيرة تستوجب القياس، ليعرف اللاعبون في أي نعيم أصبحوا يلعبون..