ولا مرة خلت لائحة للفريق الوطني من جدل وجدال، بل قليلة هي المرات التي عمنا فيها جميعا الرضا على لائحة كشف عنها مدرب وناخب وطني، فإن اتفقنا معه على أسماء، اختلفنا معه في أخرى، لذلك حرص مدربون سابقون على القول أن درجة التقيد بالمعايير تختلف من شخص لآخر، فإن حدث الإجماع على أسماء حدث انقسام على أخرى، ولكن في النهاية لا رأي يعلو على رأي المدرب الوطني، فهو المسؤول حتما عن اختياراته، وما تلح عليه الحكامة في تدبير شأن الفريق الوطني، أن يكون المدرب هو المسؤول بالمطلق على ما هو مخول له من صلاحيات، وأن لا يقبل لا بإملاءات ولا بضغوط، لأن ذلك سيضرب في الصميم صدقيته ومصداقيته وحتى وضعه الإعتباري. وإن كان وحيد خاليلودزيتش وهو يكشف عن لائحة الفريق الوطني النهائية، وقوامها 24 لاعبا سيتكفلون بالبحث عن نقاط المباراتين أمام موريتانيا وبورندي كاملة، قد قدم كعادته تعليلات فنية وموضوعية لاختياراته، واستمات في الدفاع عن منظوره الخاص للجانب المعياري في وضع القائمة، فإن بيننا بالطبع من لم يرضه أن يتم إسقاط لاعبين بعينهم من اللائحة، فبدر بانون المتألق في دفاع الأهلي المصري يستحق أن يكون ضمن هذه اللائحة، وجواد يميق العائد بالكثير من الثقة في النفس لدفاع نادية بلد الوليد بعد طول غياب، يملك فنيا ما يشفع له التواجد في القائمة، والعودة مجددا لنبيل درار وقد اعتقدنا جميعا أن وحيد أنهى فعليا زمن الحرس القديم أثارت ردود فعل معارضة، وغض الطرف عن فيصل فجر بينما أرقامه بتركيا تدل على الإرتفاع الملحوظ لتنافسيته منذ أن انضم لنادي سيفاس سبور. بالقطع قد يطول بنا جرد الملاحظات والمؤاخذات، اعتراضنا على حضور أسماء بعينها في اللائحة واستغرابنا لتغييب أسماء أخرى، إلا أنه للأمانة سنجد أن ما يمكن أن نختلف عليه مع وحيد خاليلودزيتش، أقل بكثير مما يمكن أن نتفق معه فيه، مع يقيننا الكامل أنه هو المسؤول الأول عن اختياراته، كما هو مسؤول أيضا عن نتائجه، فالرجل للأمانة لا يتزحزح قيد أنملة عن المسالك الرياضية والمعايير الفنية التي قال أنها ستكون هي المتحكم في اختياراته، فالرجل في كل ما يفعل لا يبتعد كثيرا عن معايير ثلاثة، معيار الجاهزية ومعيار التنافسية ومعيار التطابق مع منظوره التكتيكي، لذلك سنجد في كل اللوائح التي كشف عنها وحيد بعد انتهاء فترة الإفتحاص، خيطا ناظما نفهم من خلاله أن الإختيارات تحتكم لقواعد واضحة، تحقق نوعا من التوازن وبعضا من العدالة، ونفهم من خلاله أيضا أن هناك نواة صلبة للمنتخب الوطني المتحور، المنتخب الوطني بصيغة خاليلودزيتش. لهذا الفريق الوطني يأتي آدم ماسينا لاعب واتفورد الأنجليزي، لعله يكون نهاية لمعاناتنا مع ظهير أيسر، منذ أن أخفق حمزة منديل في العض بالنواجد على الرسمية وفرض ذلك الكثير من التحويرات المبهمة والمخيفة، والتي كان آخرها وضع غانم سايس في هذا الرواق وهو الذي تسلم القيادة من المهدي بنعطية، قيادة الفريق الوطني ككل وقيادة متوسط الدفاع. وياتي أيضا منير الحدادي الذي خاض المغرب معركة ضارية في الكواليس وفي المنصات وداخل دهاليز الفيفا، لتأهيله للعب مع الأسود، لعله يكون رجلا جديرا بامتهان دور تحريك الأروقة الهجومية، بعد أن فقدنا وهج أسامة الإدريسي الذي يبدو أن خروجه من ألكمار الهولندي لم يعنه على كسب التحديات الكروية سواء مع إشبيلية الإسباني أو حتى مع أجاكس الذي رحل إليه شتاء على سبيل الإعارة. ومع ضرورة الإحتفاظ بالنواة الصلبة بإعمال المعايير الثلاثة، فإن وحيد خاليلودزيتش يحاول أن يختصر على نفسه الزمن وقد ضاق كثيرا بسبب الجائحة، لكي يصل إلى أفضل تركيبة ممكنة تستطيع أن تضع بصمتها على كل مباراة وتستطيع أن ترفع من منسوب الثقة في قدرتها على كسب الرهان، والرهان المنظور والضاغط بقوة على المدرب وحيد رهانان، الأول هو الدخول لنهائيات كأس إفريقيا للأمم نهاية السنة الحالية بالكاميرون، ليس بثوب المنافس الأول على اللقب ولكن بشخصية الفريق الذي توجد فيه نواة البطولية، والثاني هو ضمان التواجد للمرة الثانية تواليا في كأس العالم. شخصيا لا تشغلني لوائح وحيد خاليلودزيتش، ما هو منطقي فيها وما هو دون ذلك، بقدر ما يشغلني أن يأتي الفريق الوطني لكل مبارياته من دون استثناء بهوية لعب جماعية تتطابق مع ممكناته الفردية، هوية لا تتأثر بالغيابات الإضطرارية وقد انصب العمل دائما على توسيع القاعدة البشرية بوجود مادة خام غنية وجيدة..