يقولون العبرة بالخواتيم، وإزاء الخماسية التي حسم بها أسود البطولة مباراتهم الثالثة والحاسمة أمام المنتخب الأوغندي، ليتأهلوا بعلامة الإستحقاق الكاملة لدور الربع متصدرين لمجموعتهم، لا يمكن أن نصدر مزيدا من خطابات القلق والتشكيك، ولا يمكن أن نبخس هؤلاء اللاعبين وكل طواقمهم التقنية والطبية والإدارية حقهم في الإشادة، لطالما أن نصف المهمة قد أنجز وبنجاح.
بالتأكيد أن ما سبق مباراة أوغندا بفعل ما صاحب المباراتين الأوليين امام الطوغو ورواندا، كان قلقا وتوجسا من الصعب التخلص منه، وأن ما تداعى على هوامش المباراة أمام أوغندا، جعلنا في توقيتات بعينها، نبتئس ونثور، ولكن ما جاءت به الخواتيم والمنتخب المحلي يحقق الفوز بأعلى حصة في كل المباريات الستة عشر التي خاضها عند مشاركته في نهائيات أربع نسخ للشان، يقنعنا بأن هذا الفريق يظلم كثيرا عندما يقاس بسابقه الذي توج باللقب، فلا السياقات الزمنية هي هي ولا التشكيل البشري هو هو برغم وجود عدد من اللاعبين الذين عاشوا فرحة التتويج هنا بالمغرب، ويقنعنا أكثر بأن لا وجود في كرة القدم الحديثة لمؤشر تقني وتكتيكي وحيد يضبط شكل ومضمون المباريات، فالمباريات أشبه ما تكون نهرا يتغير بجريان المياه فيه.
كان المنتخب المحلي في كل المباريات الثلاث التي لعبها عن الدور الأول والتي يحكمها في العادة بعد استراتيجي متمثل في تحصيل النقاط التي تضمن التأهل للقادم من أدوار، كان هذا المنتخب في مواجهة خصوم أقوى بكثير من الخصوم الذين يقفون أمامه على أرضية الملعب، المناخ والنجاعة الهجومية.
وإن كنت لا أتطرف في الحديث عن المعيقات المناخية من ارتفاع لدرجة الحرارة ولنسبة الرطوبة والتي يكون لها في العادة تأثير كبير على ساكنة شمال إفريقيا التي تعيش موسم الشتاء الصقيعي، إلا أن في كرة القدم الحديثة، ما تصبح معه المؤثرات المناخية معيقات إستراتيجية، تجرد بالأساس المتضررين منها من سلاح الإيقاع، وقد شاهدنا كيف أن أسود البطولة عانوا كثيرا في المباراتين الأوليين أمام الطوغو ورواندا، جراء اللعب في الخامسة عصرا في درجة حرارة تقارب 33درجة ونسبة رطوبة تصل إلى 80 بالمائة، وقد مكنهم اللعب في المباراة الثالثة على الساعة الثامنة مساء وتكيفهم الطبيعي مع المؤثرات المناخية من استعادة كامل طراوتهم البدنية، بدليل أنهم قدموا أمام المنتخب الأوغندي جولة ثانية هي الأقوى والأمتع لهم في هذه البطولة حتى الآن.
أما الخصم الثاني الذي كان على أسود البطولة الإجهاز عليه حتى لا يكون عليهم وبالا، فهو بالتأكيد ضعف النجاعة الهجومية، فما شاهدناه في 230 دقيقة من اللعب، وهي المساحة الزمنية لمباراتي الطوغو ورواندا وشوط واحد من مباراة أوغندا، كان عبارة عن معركة ضارية مع الذات أكثر ما هي مع المنافس، برغم أن المنتخبين الطوغولي والرواندي حرصا على إغلاق المنافذ واللعب في المناطق الخلفية، لقد كان لزاما أن ينتصر الأسود على أنفسهم، أن يحلوا عقدة التهديف التي تعاظمت في 5 أشواط، ولم تتكسر إلا في مناسبتين من نقطة الجزاء، وهذا الأمر حصل في مباراة أوغندا التي سيسجل أسود البطولة خلال شوطها الثاني أربعة أهداف، أي ضعف الأهداف التي سجلوها في 5 أشواط، وبالطبع لذلك مبررات تقنية وذهنية ورياضية كثيرة.
كل المدربين يرون أن عدم تسجيل الأهداف من ندرة الفرص أشد هولا من عدم تسجيلها من عدة فرص تسنح للتسجيل، وقد كان المنتخب المحلي في مباراتيه الأوليين فاقدا للتوفيق وللنجاعة في إنهاء الفرص ولكنه بالمقابل كان غزيرا في تصميم الجمل الهجومية التي تفتح الطريق نحو مرمى المنافس، ولما احتاجت مباراة أوغندا الحاسمة من المدرب الحسين عموتا أن يغير الشكل الذي تصاغ به الجمل التكتيكية الهجومية على الخصوص، لعله يساعد على رفع منسوب النجاعة، فقد فعل بإدخال أربعة عناصر ساهمت كلها في تخصيب الأداء الجماعي وأنتج ذلك وضعيات هجومية مختلفة عن الذي شاهدناه في المباراتين الأوليين.
بقي أن نسأل، هل كانت مباراة أوغندا هي المباراة المرجع لهذا المنتخب المحلي؟
هناك وجهان للإجابة، وجه يقول أنه قد تكون مباراة أوغندا، مرجعية في جودة الأداء ولا بأس من التأسيس عليها، برغم أن لكل مباراة طقوسها ولكل منافس أسلحته، ووجه يقول بأن المرجع الأقوى هو براغماتية الفريق، الذي يستطيع بالتطابق مع ممكناته الفردية أن يناقش كل مباراة بخصوصياتها التقنية والتكتيكية.
بالقطع ما سيأتي بعد الدور الأول صعب وشاق بكل المقاييس، ويفرض على المنتخب المحلي أن يتدرج في الأداء الجماعي، وأن يحجم بقدر ما يستطيع هامش الأخطاء في التمرير والتوقع وبناء العمق الدفاعي وأن يبقي على المستوى الذي بلغته النجاعة التهديفية خلال مباراة أوغندا..
أما قبل كل هذا وذاك، هناك توفيق من الله وهو ما نسأله بكل تأكيد لأسود البطولة في مباراة يوم الأحد..