رق قلبي وقلوب الملايين من المغاربة، لحال أشرف حكيمي بعد الذي تهور فيه مدربه كونطي وهو يرمي به لغياهب الإحتياط، عقابا له على ما اعتبره تهورا وتشنجا من أشرف في مباراتي إنتر ميلان أمام ريال مدريد في عصبة الأبطال، لذلك تمنينا وهو يتم ترسيمه يوم السبت الأخير في مباراة الإنتر وبولونيا، أن يثأر حكيمي لنفسه من هذا الذي افتراه عليه مدربه كونطي، واستجاب الله للدعاء، فأخرج حكيمي من عباءته السحرية أداء رائعا به استحق أن يكون رجل المباراة بامتياز وينال التنقيط الأعلى له منذ أن أصبح «إنتريستيا». ووسط اختلاط المشاعر بالفخر وحكيمي يسجل لفريقه الهدف الثاني بعد الأول للدبابة البلجيكية لوكاكو، رصدت الكاميرا الشاب أشرف بعد أن تقاسم فرحته مع زملائه، وهو يتوجه بالعمد للكاميرا ليكشف عن قميصه الداخلي، وقد حمل نعيا حزينا لمن بكته كرة القدم المغربية الأربعاء الماضي بحرقة، من خرج من دنيانا الفانية ملبيا داعي ربه، المرحوم محمد أبرهون. من مرحلة الإشفاق على حكيمي، إلى التباهي بما صنعه في مباراة فريقه أمام بولونيا، إلى اللمسة الإنسانية التي تبرز بالفعل معدن هذا الفتى الذي حمل منذ صباه حلم عائلته البسيطة وحلق بها فوق مدائن الفقر والحاجة، لقد أعاد المشهد تهييج الحزن في قلوبنا جميعا، فليس بيننا من أطلق شهقة وأنين الألم، والناعي يحمل إلينا الأربعاء الماضي خبر رحيل محمد أبرهون. لم يكن أشرف حكيمي من جيل محمد أبرهون، ولكنه كان من مئات اللاعبين المغاربة الذين صدمهم خبر رحيله وأبكاهم بحرقة موته وهو في ريعان شبابه، وقد جازى الله أشرف حكيمي على حسن نواياه، فبلغه مراده بتأريخ حدث الرحيل، بأن سجل في تلك المباراة هدفين أهداهما معا لروح الفقيد، ولو ملك جميعنا ما يمكن أن يكون عربون وفاء لأبرهون لأبرزناه على الفور غير كلمات الرثاء والنعي، بصرف النظر عما جرى التعبير عنه بمختلف اللغات وفي كل وسائط الإتصال، من مشاعر الحزن والأسى على لوعة الفراق. غير متابعتي له برجا واقفا بشموخ في دفاع المغرب التطواني، في مواسم الفرح الجماعي لساكنة تطوان بتتويج الحمامة البيضاء في مناسبتين بلقب البطولة الإحترافية، وغير ما انطبع في الذاكرة من صور للاعب شغوف وطموح، فإن ما جمعني بالمرحوم محمد أبرهون مشاركته مع المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة في أولمبياد 2012 والتي أسعدتني ظروفي المهنية بأن أتابعها لقراء «المنتخب»، مباشرة من لندن، كان المرحوم أبرهون بكاريزما عالية وبثقة كبيرة في النفس واحدا من نجوم ذاك الفريق الذي أشرف على تدريبه في الأولمبياد الهولندي الراحل بيم فيربيك، والنجومية ليست في البسالة والشجاعة، وليست في بديهة الحضور في محفل عالمي وسط المشاهير، ولكن أيضا في الشهامة والأخلاق العالية. ويجسد هذه السريرة النقية، ما تركه المرحوم أبرهون من إرث لعائلته الصغيرة ولعائلته الرياضية الكبيرة، إرث إنساني ورياضي لم يتأت لمن عاشه ضعف ما عاشه هو رحمة الله عليه أن يتركه لناسه ولزمنه، فلا أذكر بحسب ما شاهدت وما سمعت وما استقيت، أن محمد أبرهون كان في يوم من الأيام جمرة لنار أي فتنة كروية، ولا كان بطلا لأي أزمة من أي نوع. لقد ظل فقيد كرة القدم المغربية في منأى عن كل الصراعات، محتفظا بهدوئه وعزلته المقصودة، وبينما كان غيره وهم كثيرون، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بسبب أن عيون الناخبين الوطنيين عميت عنهم، كان محمد أبرهون راضيا بقسمته، لا يطلق صرخة تأفف وضجر حتى لو كان مظلوما، فاستحق أن يكون أمير القلوب، أن نذكره اليوم والأعين تفيض بالدمع حزنا على رحيله، بإنسانيته وبكاريزميته وبنبله أكثر ما نذكره بما خطته قدماه في ملاعب كرة القدم. محمد أبرهون، نم قرير العين في لحدك، فقد منحك الله صفة تنذر في بني البشر، أن يحبك الناس لشخصك ولإنسانيتك، وهو حب سيرفعك درجات وسيخلدك في ذاكرتنا جميعا.. فما مات من ترك ما تركت فينا من إرث ومن مشاعر ومن ذكريات..