يظهر أن فيروس "كورونا" أخرس الأبواق الفنية التافهة وألجم الألسنة التي إغتالت الأخلاق وسقط فيها الصوت والكلمة والجسد واللباس والحلاقة إلى أسفل سافلين، رغم أن الإغتناء من المزبلة كان على حساب ذوق جاهل، ويظهر أن فيروس "كورونا" ربما وضع الرداءة الفنية غناء وتمثيلا في جحيم المنكرات، ولعله الداء الذي ألغى التلاقي بين الجميع ليس احتراسا من الآفة، ولكن خوفا من الموت والشهرة.
وأعرف أن موضة الفنان الحالي ستكون على قدم وساق خوفا من يده الناعمة وأظافره الممشوطة ولياقته الرشيقة وملابسه المثيرة والممزقة وحلاقته المستفزة مع أن "كورونا" أقفلت صالونات الحلاقين ذكورا وإناثا، ووضعت بعضا من الكل في زنزانة الخائفين من غضب الله. وبعض من الآخرين جهزوا قبل "كورونا" مسلسلات التفاهة والميوعة التي تستهلكها قنوات المسخ في شهر رمضان الأبرك. 
وإذا كانت "كورونا" لا تميز بين الأرواح، فخافوا منها على الأقل لأنها أرعبت العالم وداست على القوى العالمية قبل أن تدوس فنا لا يليق بها، وراقني جدا انتقاد نعمان لحلو الفنان الذي أحترمه كليا كإنسان وصوت ورسالة وثقافة، لما هو مطروح في مزابل الغناء والإغتناء به من مؤدى رغبة الأذواق الشبابية التي لا تميز بين الجودة والرداءة. 
"كورونا" كفيروس قاتل تريدكم أن تبطلوها بالعودة إلى الرشد، وتنبهكم من الخوف حتى في منازلكم، وتشككم من رؤوسكم إلى أخمص أقدامكم وتنذركم بما هو آت من غضب الله، فانقلوا أفكاركم وكلماتكم ورقصاتكم إلى تواضع الزمن الجميل وعودوا إلى الشعر الراقي والغناء الأصيل، وادخلوا القلوب من باب التوبة مثلما فعل أشهر الفنانين بمصر عندما حولوا تاريخ ميوعتهم إلى طريق الحق. 
 "كورونا" يقول لكم تبرعوا من غنائمكم وأموالكم للفقراء والصندوق الوطني لمكافحة آثار الفيروس، مثلما يدخل الرياضيون نفس المسار وإن كان تقديريا محتشما من جانب مساهمة لاعبين برواتبهم الشهرية أو اعالة بعض الأسر الفقيرة. 
 إلى ذلك لا يمكن ل"كورونا" أن تتجاهل أغنياء الكرة بالمغرب وخارجه من نجوم سابقة في مختلف الرياضات، ولا يمكن أن يكون صمتها أو حضورها المعنوي عبر قنوات التواصل الإجتماعي مدعاة للسخرية ولو أن هناك تيارات تقول أن مساهمة النجوم والأبطال تظل جد محتشمة، وأخرى لا تريد الجهر بذلك من مؤدى فعل الخير خفية ولوجه الله تعالى، أو أن تتهم بالمن بالصدقات. بينما واقع الأحداث يفسر على نحو آخر من التعبئة القصوى، لأننا أمام مصاب جلل يساهم فيه الكل ولو جهرا لصندوق الجائحة غير الذي لا يفشى سره بين العبد والخالق ليحسب في الميزان المقبول، ولا أرى في ذلك عيبا لأنه فكر تضامني محفز لجميع المغاربة وهو أمر ملموس فيهم مثلما دخل أبسط الموظفين في عملية دعم الصندوق دون أن يكون أصحاب السلالم العليا وما فوق ذلك إلى المدراء والبرلمانيين والوزراء والمؤسسات الدستورية أصحاب الشركات والأغنياء وهلم جرا داخل بؤرة الدعم .. 
 
 إلى ذلك أيضا، أين هم المحترفون المغاربة بأوروبا من الحس العفوي للتضامن ولو أن قلة بادرت بالمساهمة الفعلية لإعالة الأسر الفقيرة، وآخر بقيمة عبد السلام وادو الذي تبرع بمائة ألف أورو، والبطل العالمي بدر هاري ب 400 مليون سنتم والقافلة ما زالت صامتة عند هذا الحد ولو أن البعض الآخر تكفل بعائلات . 
 فوق كل ذلك، هل أنعم مدربو الأندية ولا حتى ودادية المدربين بجزء من غنائمهم للصندوق؟ وهل إستشرى الأمر نحو رؤساء الأندية التي تعيش على سوط الملايير؟ وهل تغلغل الوازع التضامني عبر كل الفتوات الإذاعية والمرئية والمكتوبة ولو أن الصحف الورقية حوصرت بالمضرة الكبرى. 
 على أية حال، قدم فيروس "كورونا" موعظة كبرى في الخوف من الموت، والزوال من دون ثواب، وعقابا للنفس المدمرة للفكر والفن وغيرها من شوائب زمن تعالى على كل القيم السمحاء ونسي نفسه وأخلاقه وجنسه بالمقلوب، ولكن مع ذلك هناك من ينصت لعدالة الله، وهناك إنسانية رجولية مثلما هناك أناس داخل الفتنة في كل شيء ولا تريد الخير لهذا البلد العظيم. 
 لطفك يا رب.