يقال دائما في مباريات كرة القدم بالخصوص بأن الفريق المضيف يتوفر على امتياز الملعب والجمهور، وهنا أستحضر شهادة للاعب فريق برايطون الإنجليزي ليام جيمس روسنيور، حين تحدث للصحافة عقب إحدى مباريات فريقه عن الخصم قائلا: «إنه فريق جيد ولديه كثير من اللاعبين الرائعين، لكن عندما نلعب على ملعبنا تكون لدينا فرصة كبيرة في تحقيق الفوز»، وعاد بعدها ليقوم بتحليل موضوعي لهذا التصريح الذي يأتي عادة بعد كل مباراة قائلا: «عندما فكرت في ذلك الرد اللطيف إلى حد ما، إستوقفتني كلمتان مهمتان للغاية في هذه الجملة لم يكن من المنطقي أن يكون لهما هذا التأثير الكبير في عالم كرة القدم، وهما «في ملعبنا».
ومع ذلك، عندما فكرت ملياً في مسيرتي في عالم كرة القدم أدركت أهمية خوض المباريات على ملعبنا، وكيف كان يُستغل ذلك الأمر بقوة من جانب المدربين الذين لعبت تحت قيادتهم ومن جانب زملائي في الفريق وجمهور النادي. فعلى سبيل المثال، عندما كنت ألعب ظهيراً في المباريات التي كنا نخوضها على ملعبنا، كنت دائماً أسمع من المدير الفني عبارات مثل «تقدم للأمام مع كل فرصة، فنحن بحاجة إلى اللعب بسرعة كبيرة اليوم»، أما عندما كنا نلعب خارج ملعبنا، فكنت أسمع المدير الفني يصرخ قائلاً: «هدئ وتيرة المباراة»، حتى إن كنا نلعب أمام فرق في مستوانا نفسه، وهو ما جعلني أدرك أن فرص الفوز على ملعبنا أكبر دائماً من فرص الفوز بالخارج، وهذا هو الواقع دائماً في كرة القدم.
ولو إستبعدنا المشاعر والأحاسيس الإنسانية بعيداً عن كرة القدم، فمن المنطقي ألا يحدث هذا التأثير الكبير بسبب خوض المباريات داخل أو خارج ملعبك، وذلك لأننا نلعب على المساحة نفسها من الأرض ويلعب 11 لاعباً أمام 11 لاعباً، ويكون هناك حكم في كل المباريات ونلعب بالكرة نفسها ويكون الهدف هو وضع هذه الكرة في المرمى الذي لا تختلف أبعاده أيضاً من ملعب لآخر في جميع أنحاء العالم، ولذا كان من المنطقي أن تكون الفرص متساوية سواء كنت تلعب على ملعبك أو خارج ملعبك.
وبناء على ذلك، لو إستبعدنا المشاعر والأحاسيس من كرة القدم فستختلف اللعبة تماماً، فلعبة كرة القدم يلعبها ويشاهدها أشخاص لديهم مشاعر. وعلى مر السنوات، كان هناك كثير من التحليلات التي تدرس ميزة اللعب على ملعبك، وكان هناك دليل قاطع على أن الفرق التي تلعب على ملعبها تكون فرصها أكبر بكثير في تحقيق الفوز. من المؤكد أن هذه الفجوة في النتائج بين الداخل والخارج قد تقلصت خلال السنوات الأخيرة، لكن لا تزال هناك فجوة على أي حال.
وبصفتي لاعباً محترفاً لديه الكثير من الخبرات، أستطيع أن أقول بكل بصراحة إنني كنت أشعر بثقة وراحة أكبر عندما كنت ألعب على ملعب فريقي. وفي الواقع، لم أشعر بالراحة وأنا ألعب خارج ملعب فريقي إلا في الآونة الأخيرة، وذلك لأن الخبرات الكبيرة التي اكتسبتها قد ساعدتني في ألا أتأثر بالحشود الجماهيرية للفرق المنافسة.. كما أن الرسائل التي أتلقاها قبل إنطلاق المباراة من المدربين ومن زملائي في الفريق، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، تتغير بشكل سلبي عندما أكون بعيداً عن ملعب فريقي، حيث يطالبونني بأن أكون أكثر حذراً أو أن أعمل على إحتواء الحماس الجماهيري للفريق المنافس أولاً ثم ألعب بحذر شديد. لقد حاولت دائماً أن أؤكد أهمية الدور الكبير الذي يقوم به الجمهور في المباراة، وفي الحقيقة تكون الأمور صعبة للغاية عندما يخوض اللاعب مواجهة خارج ملعبه أمام جمهور متحمس ويحدث صخباً كبيراً.
لقد شاهدت كثيراً من المباريات التي يكون فيها الفريق صاحب الملعب أقل في المستوى ولا يقدم الأداء الذي يضمن له الفوز، لكن المؤازرة الجماهيرية الكبيرة تساعد اللاعبين في إستعادة ثقتهم في أنفسهم والشعور بالراحة، ومن ثم تحقيق الفوز على الفريق المنافس. صدقوني لو قلت لكم إن الجمهور الكبير يمكن أن يحدث الفارق بين النصر والهزيمة. وعلاوة على ذلك، ليس اللاعبون وحدهم هم من يتأثرون بهذه الظروف. فمن الناحية المنطقية، يجب على الحكم أن يطبق قوانين اللعبة بالطريقة نفسها بغض النظر عن الملعب الذي يحتضن المباراة، لكن من واقع خبراتي أؤكد لكم أن احتساب ضربة جزاء أمام 40 ألف مشجع يكونون سعداء بها أسهل كثيراً من إحتساب ضربة جزاء تتسبب في غضب هذا العدد الكبير من الجمهور. أنا لا ألقي باللوم على الحكام، ولكن هذه هي الطبيعة البشرية.
وعندما نتحدث عن ميزة اللعب على ملعبك ولماذا تصنع هذا الفارق الكبير، فيجب أن نشير إلى أن هذا يعد سبباً من الأسباب التي تجعلنا نعشق هذه الرياضة، إنها رياضة يلعبها أناس لديهم مشاعر وأحاسيس وليسوا في مأمن من أن يتأثروا بالعوامل الخارجية. وهذا هو السبب في أن الفريق الذي يلعب على ملعبه تكون فرصه أكبر في تحقيق الفوز».
كانت هذه شهادة من لاعب محترف، ومن خلال تجربتي، فقد أتيحت لي الفرصة لمتابعة أغلب مباريات الرجاء البيضاوي من الملعب في السنوات العشر الأخيرة، ولم يسبق لي أن شعرت باتساع الهوة بين لاعبي الفريق و جمهورهم أكثر مما شعرت بذلك يوم الأحد الماضي بمناسبة القمة الإفريقية التي جمعت الفريق الأخضر بضيفه فيتا كلوب، فغالبية الجماهير التي حضرت للملعب على قلتها لم تأتي بهدف تحفيزاللاعبين وتشجيعهم لتحقيق الفوز كما جرت العادة في كل المناسبات السابقة، بل العكس هو الذي حصل، حيث كان السب والقذف في حق اللاعبين منذ بداية المباراة لنهايتها.
فكيف يمكن أن نطالب لاعبين إهتزت معنوياتهم بعد الإعتداء على حافلة الفريق قبل بضعة أيام بتحقيق الفوز على خصم إفريقي متمرس، دون أن نوفر لهؤلاء اللاعبين الظروف الملائمة والمساندة الضرورية؟
شخصيا لا أفضل الإنسياق وراء نوع من المقارنات التي قد تثير حفيظة البعض، لكن الضرورة تفرض هنا التذكير و الإستشهاد بالدور الكبير الذي لعبه الجمهور الودادي في تتويج فريقه بلقب عصبة الأبطال الإفريقية، فلم يكن الفريق الأحمر الأفضل بين الأندية التي لعبت المربع الذهبي لذات المسابقة القارية، إن لم يكن أضعفها، لكنه كان أقوى بجماهيره التي حولت ملعب محمد الخامس لمركب الرعب بشهادة كل الخصوم والمحلللين التقنيين. 
كنت أتمنى أن تستحضر الجماهير الرجاوية غيرتها وحبها لفريقها يوم الأحد الماضي و تضحي بالكلاسيكو الإسباني، وتحضر بكثافة كعادتها لتملئ مدرجات مركب محمد الخامس، وتشجع اللاعبين من بداية المباراة لنهايتها عكس ما حدث، ومن دون شك ستتغير المعطيات، وحينها سيستفيد النسور من ذلك الإمتياز الذي ضاع منهم.
قيل سابقا بأن مشكل الرجاء هو الرئيس سعيد حسبان، ونال الرجل ما نال من السب والقذف، وبعد رحيله، تم تحويل الإتجاه صوب لاعبين كانوا بالأمس القريب أبطالا حين أعادوا الفريق الأخضر لسكة الألقاب، وتمكنوا بثلاثة إنتصارات متتالية من بلوغ دور المجموعات لكأس الكونفدرالية الإفريقية. وكي لا أطيل أوجه نداء للجماهير الرجاوية «رفقا بلاعبيكم..وارحموا عزيز قوم..»