ألغاز مغادرة غير طوعية..

حالة فريدة وغريبة بعض الشيء تلك التي رافقت مشوار لاعبين من المفروض أنهم إستثنائيون داخل الـمنتخب الوطني..

حاملو الشارة والعمادة الذين مروا من عرين الأسود في السنوات الأخيرة، كلهم ودعوا بنفس الطريقة وتقاسموا إكراه ترك المشعل لمن يخلفهم دون أن يكونوا هم أصحاب قرار فيه..

ADVERTISEMENTS

في المتابعة التالية نبش في مسار عمداء كبار للـمنتخب الوطني لم يحظوا بالخروج المشرف الذي يليق بالعطاءات التي قدموها فيما يشبه النعمة التي تنطوي على أكثر من نقمة..

عمداء غير سعداء

تمثل شارة العمادة داخل أي ناد من الأندية بقيمة كبيرة، وحين يتعلق الأمر بالمنتخبات الوطنية والقومية ترتفع قيمة التشريف لتصل درجة عالية من التقدير.

المنافسة على تقلد هذه الشارة ظلت تقاس بمعايير وتحتكم لاعتبارات تختلف وتتفاوت من مدرب لآخر (من القيدومية لدرجة التأثير فالكاريزما والنجومية، وفي كثير من الأحيان كان لعامل السن دور حاسم في ترجيح كفة لاعب على حساب الثاني).

ولئن كانت الشارة بالمنطق وفي الأوضاع الطبيعية والعادية، هي واحد من تجليات الفخر والتميز إلا أنها داخل الـمنتخب الوطني تحولت لنقمة بعد أن كانت نعمة، وفرضت على من تقلدها دخول متاهات كان في غنى عنها حين كان محسوبا على فئة اللاعبين العاديين.

ظاهرة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام ما دامت تكررت بشكل كبير مع أكثر من لاعب، وهو ما يستوجب دراسة تفرض تشخيصها لمعرفة مكامن الخلل نفسيا أكثر منه شيء آخر..

التحكم في حجرة التغيير

في إطار إستجواب أكثر من لاعب دولي من المحسوبين على الجيل القديم أو من الممارسين لغاية اليوم، تم التأكيد على أن عمداء الـمنتخب الوطني في السنوات الأخيرة ظلوا يحظون بامتيازات إستثنائية ليس على مستوى التعويضات وإنما في سياقات أخرى، على مستوى علاقتهم بالجهاز الفني أو إداريي الجامعات المتعاقبة..

إمتياز ولد حالة من الإعتداد بالنفس لدى البعض وجعل آخرين يشعرون بالعظمة والقدرة على التحكم في الأجواء وهي الخصال التي لا يفضلها عادة المدربون، والذين يريدون دوما الشعور بأنهم الرقم الأول على مستوى تدبير الأمور..

كسر عظام بعض من هؤلاء العمداء كان سببا في الإفضاء للمشهد الختامي المألوف وهو إنهاء مشوار أكثر منهم عن طريق الإستغناء بدل أن يكون كل هؤلاء مرشحون فوق العادة كي يحظوا بتكريم يليق بالمقام..

شهادات أكدت أن تخوف المدربين المتعاقبين على المنتخب الوطني، من أن يصبحوا أكثر تحكما في الأجواء  وفي ترويض المجموعة وفي رسم تكتلات..كان سببا كافيا للإطاحة بهم تواليا وبنفس الطريقة الموروثة تقريبا.

كسر العظام مع المدربين

من يعيد قراءة سيناريو العمداء الذين مروا من الـمنتخب الوطني، وكيف أنهم إنسحبوا بالتدريج وبنفس الطريقة تقريبا، إذ كانت تبتدئ الحكاية باختلاق المدربين لمبررات من قبيل النهج التكتيكي والخيارات التقنية والجاهزية ثم التنافسية، كما حدث مع نيبت حين حط الرحال بطوطنهام أو مع خرجة لما انتقل للبطولة القطرية، وتنتهي باستغناء نهائي وحاسم وخروجهم من حسابات كل هؤلاء..

العملية إذن كانت كلها مرتبطة بتصفية حسابات تجهل تفاصيلها على الرغم من مرور سنوات طويلة عليها، كما حدث بين القرقوري وميشيل بغانا بعد أن ظل المدرب الفرنسي يعتبر اللاعب من العينة المفضلة عنده قبل أن يمارس في حقه تعذيبا نفسيا رهيبا بأكرا.

بين الزاكي ونيبت كان الخلاف بارزا وعلى الرغم من كل المبررات التي قدمها الطرفان على الهواء مباشرة، كان الجميع يوقن بأن الخلاف أعمق مما تم الترويج له.

والختام كان بين خرجة والطوسي، حيث انقلب الثاني على الأول مباشرة بعد ضمان العبور لــ «الكان» في واحدة من مفاجآت سحب البساط من تحت أقدام لاعب يصنف قائدا للمجموعة وواحدا من أرقامها المحورية.

«جيبيلي» في مهب الريح

من المفروض وهذا جرى به العرف عالميا أن اعتزال لاعب من اللاعبين الذين يعمرون لسنوات طويلة في ملاعب الكرة أو الذين يتقلدون أدوارا حاسمة داخل منتخباتهم وفرقهم، ترافقه مراسيم إحتفالية وطقوس إعتراف من نوع خاص في صورة مباراة تكريم أو حتى مباراة ختامية تؤرخ لحدث خروجه من السرب بالشرف الذي يليق وسنوات الخدمة.

هذا المعطى غاب وبشكل متكرر مع أكثر اللاعبين الذين مروا من عرين الأسود وصنفوا قادة له، فيما يشبه المغادرة المفروضة بالإكراه والمغادرة غير الطوعية..

الظاهرة و لئن كان البعض سيصنفها على أنها من المصادفات، إلا أنها تحمل في ثناياها الكثير من الألغاز والأسرار التي قد يكشف عنها المستقبل.

وضع شاذ وغير عادي في علاقة اللاعب العميد مع المدرب داخل المجموعة، ونهاية تكررت كثيرا وكأني بالعمداء يتحولون لبعبع مخيف داخل عرين الفريق، يخشاه المروضون المتعاقبون والذين يفضلون تدجين وتهييء قادة على مقاسهم الخاص كي يسهل التحكم فيهم.

طلال أرسل إعتزاله للجنرال

في واحد من المشاهد المثيرة في مسار تعليق عمداء المنتخب المغربي لحذائهم الدولي، كان للغبن الذي تعرض له طلال القرقوري بدورة غانا 2008 من طرف المدرب هنري ميشيل والذي استبعده بطريقة قاسية بعض الشيء عن التشكيل الأول والإحتياطي، أثره الكبير على معنويات اللاعب.

من أكرا أرسل القرقوري الذي كان ما يزال في أوج عطائه إشارات لرحيله المؤكد عن الأسود وخاصة تركه العمادة لخليفته والذي لم يكن سوى زميله سابقا بالرجاء يوسف سفري.

طلال حرر رسالة من غانا وجهها للجنرال حسني بنسليمان يومها، ولخص من خلالها أسباب إعتزاله دوليا وزاد عليها بكشف بعض من أسباب تراجع المنتخب الوطني وهي الرسالة التي شكلت سابقة غير مألوفة للاعب دولي  وصادفت في ذلك الوقت صدى كبيرا.

«العالم الرياضي» ينهي أسطورة نيبت

شكلت حلقة من حلقات البرنامج الشهير «العالم الرياضي» الذي كان يعده ويقدمه الزميل سعيد زدوق، آخر مسمار تم دقه في نعش شارة عمادة نور الدين نيبت الذي كان يلعب وقتها بنادي طوطنهام الإنجليزي.

البرنامج الذي كان يحظى بنسبة متابعة محترمة في ذلك العهد، قدم ما يشبه المواجهة والمكاشفة بين الزاكي المدرب ونيبت العميد، وخلالها تمت مؤاخذة كل الأطراف التي ساهمت في هذه الخرجة الجريئة بشكل مختلف.

عدم الرضا على نشر غسيل المنتخب الوطني على الهواء سيكلف الزاكي لاحقا منصبه ونيبت عمادته ونهاية دراماتيكية لمشواره الألمعي والكبير مع الأسود.

محرقة دار السلام تجني على لمياغري

على الرغم من استدعائه لمباراة تانزانيا الخاصة بتصفيات كأس العالم شهر يونيو المنصرم، إلا أن بداية سحب القفاز الدولي من بين أيدي الحارس نادر لمياغري بدأت بدار السلام، حيث خسر الـمنتخب الوطني بثلاثية كانت كافية لحرق أحلامه المونديالية.

لمياغري الذي ظل يتأرجح بين الإعتزال دوليا والعدول عن قراراته لاحقا بطريقة غريبة، سلم الشاهد لأمسيف والزنيتي وليغادر وفي حلقه أكثر من غصة بعدما رفض الطريقة التي استبعده من خلالها الطوسي.

حارس الوداد قدم تصريحات كشف من خلالها غبنه الكبير وشعوره بالمرارة لطريقة الإستبعاد، وآخرون قالوا أن الطوسي لم ينس له تصريحات جنوب إفريقيا التي هاجمت خطته التكتيكية..

خرجة يؤدي فاتورة القيدومية

كان للقيدومية التي تمتع بها الحسين خرجة داخل الـمنتخب الوطني دورها الكبير في سحب شارة العميد منه وتسليمها للمياغري.

الدور المؤثر الذي كان يلعبه اللاعب داخل الأسود وتأثيره الكبير على بعض اللاعبين، لم يرق الطوسي الذي رأى أن استبعاد لاعب من طينة خرجة سيمنحه قوة أكبر للتحكم في زمام المجموعة.

والغريب بل المثير في الأمر أن أفضل مواسم خرجة على الإطلاق داخل الـمنتخب الوطني كانت بين 2012 و2013، حيث سجل سبعة أهداف رفقة الأسود، وتحول لهدافه الأول ولم يشفع له هذا في البقاء داخل العرين بحجة التحاقه ببطولة قطر وهو المبرر الذي لم يكن ليقنع أحدا حينها.

حجي وحكاية حلم لم يتحقق

ظل اللاعب الكبير مصطفى حجي الذي ارتدى شارة قائد الأسود في آخر فترات تواجده داخل الأسود، يحلم بمباراة تجمعه وشقيقه يوسف حجي الذي كان في بداية مشواره الدولي حين كان مصطفى بصدد إحصاء آخر زفراته داخل المستطيل الأخضر وهو يحمل قميصه.

تزامن إقصاء مصطفى حجي من القائمة بوصول الزاكي لتدريب الأسود، والأخير رفض كل الملتمسات التي دعته لجمع الشقيقين في مباراة واحدة بعدما ظل مصطفى يمني النفس بتحقيق هذا الحلم الذي لم يتحقق قبل إعتزاله الدولي رسميا.

حروب باردة مع المدربين

المصادفة التي تجمع بين الطريقة غير المشرفة التي ترك بها أغلب عمداء الـمنتخب الوطني شارة القائد، خاصة في العشرين سنة الأخيرة هو كونهم كانوا كلهم على خلاف مع مروضي الأسود.

نيبت والزاكي عاشا قصة حرب باردة من نوع خاص ما تزال تداعياتها سارية لغاية يمنها هذا، بعدما استبدل الإثنان مواقعهما في علاقتهما مع جامعة الكرة.

هنري ميشيل وطلال القرقوري لم يكشفا لغاية اليوم عن سر الجفاء الذي ميّز علاقتهما بغانا بعد أن كانا سمنا على عسل قبل السفر لأكرا.

وآخر حلقات الخلاف والإختلاف هو ما حدث بين خرجة والطوسي وما أفرزه التباين في وجهات النظر من تلاسن وتراشق عبر الصحف، وحكاية إستبعاد لمياغري ستفرز المزيد بعد أن يوقن حارس الوداد بأنه صار من الماضي.

حالة فريدة تستوجب طرح سؤال عميق للنقاش يرتبط بأسباب الود الذي يتحول لنفور بين المدرب والقائد الذي يمثل في الغالب مدربا ثانيا بالنيابة داخل المستطيل الأخضر؟

بلخير أول عميد للأسود

بنبش في ذاكرة وأرشيف أكثر العمداء شهرة في تاريخ الـمنتخب الوطني، توصلنا لمعطى تقلد لاعب  مولودية وجدة بلخير لهذا الشرف سنة 1957 في دورة بيروت للألعاب العربية وهو العميد الذي ظهر في مباراة الإفتتاح أمام المنتخب العراقي.

وفيما يلي تذكير بأشهر من تقلد الشارة في أكبر المحطات في تاريخ الأسود:

ـــ حسن أقصبي سنة 1961 والمباراة الفاصلة أمام الإسبان في طريق التأهل لمونديال الشيلي 1962.

ـــ إدريس باموس (مونديال المكسيك 1970).

ـــ أحمد فراس (أمم إفريقيا 1976) أول وآخر عميد حمل هذه الكأس.

ـــ الزاكي بادو (الألعاب الأولمبية 1984) ودورات كأس إفريقيا 1986 ـ 1998 ـ1992.

ـــ مصطفى الحداوي (مونديال الولايات المتحدة الأمريكية 1994).

ـــ  نور الدين نيبت دورات كأس إفريقيا للأمم سنوات: ( 1998ـ2000ـ2002ـ2004 و2006).

نيبت أكثر من حمل الشارة

يعتبر نور الدين نيبت هو اللاعب الأكثر حملا للشارة داخل الـمنتخب الوطني، بعد أن ظل يحظى بهذا الشرف لـ 11 سنة كاملة ومن دون انقطاع.

من سنة 1995 حيث انتظم في حملها وبالضبط منذ بدء تصفيات كأس العالم 1998 لغاية 2006 على عهد محمد فاخر بدورة مصر.

ADVERTISEMENTS

11 سنة من القيادة الشرفية للاعبين داخل المستطيل الأخضر تجعل من نيبت عميدا أسطوريا بكل المقاييس ويليه الزاكي الذي حملها لثماني سنوات بين 1994 و1992و في حين ظلت الشارة تتأرجح بين عدد من اللاعبين في باقي الفترات.

منعم بلمقدم