للتاريخ ذاكرة مثقوبة وأحيانا يصاب أصحاب هذه الذاكرة بالزهايمر المتعمد، لا لشيء سوى لتجاهل من يستحق التكريم أو إشادة أو حتى كلمة حق وذلك أضعف الإيمان.
كأس العالم الأندية الذي يتهافت اليوم كثيرون على تقديم نظريات «الشفوي» بشأنه ويحاولون تبنيه، لها أب واحد شرعي لا ثاني له، هو صاحب «حانوتي» وخريج المدرسة الأمريكية للبيزنس.. منصف بلخياط وزير الشباب والرياضة السابق.
لسوء حظ بلخياط أن فبراير أشعل المصباح فجأة، فحرق الأخير ريش الحمام قبل أن يحلق عاليا في سماء أكادير ومراكش، ليتبند كما تبند غيره بصفته عراب المسابقة الذي تعرض لحملة جلد وتقريع أرته النجوم في عز الظهر، حين اختار أن يغير بوصلة المسابقة من اليابان صوب المغرب وهو يرتشف كأس قهوة ظبيانية بالإمارات العربية المتحدة مع بلاتير وأرنب...
يومها خرج في البرلمان من صفى حسابه مع بلخياط، واتهموه بالعمالة لمجهول بتوريط المغرب المقبل على نقلة اجتماعية واقتصادية، ولا طاقة له بكلفة عرس ومولد سيخرج منه بلا «حمص»..
تعرض بلخياط لسلخانة عرت جلده، ونصبت له المشانق على مانشيطات الصحف وأعمدة الرأي وكنت واحدا من الذين نالوا من الرجل وشككوا في صدق وعوده وكون المغرب سيربح أشياء كثيرة تفوق 80 مليار كلفة الصداق المطلوب دفعه لبلاتير.
عدت للمداد الذي تندلق يومها على صفحات بعض الجرائد، وطالعت بأثر رجعي ونوسطالجيا فضولية بعضا من التحاليل النقدية التي سيقت في حق الحدث أولا والوزير «الواعر» ثانيا كما سماه البعض، قبل أن يلقبه آخرون بـ «الوزير الثوري»، فوجدتها كلها تطالع الفنجان وتتنبأ بفشل مونديال الأندية تنظيميا، وبكساد تسويقي ثانيا وبعزوف جماهيري ثالثا بسبب جمهور أدمن «السليت» فـ «الطوبيس» وبين شوطي المباريات ولن يكون بوسعه دفع 400 دولار قيمة تذكرة تعادل المدخول الشهري للبعض الآخر..
خلال جلسة جمعتني مؤخرا وأنا أمضي إجازة قررت خلالها وفيها أن أعطل حواس متابعة كل ما له صلة بالرياضة والكرة، بفاعل مسؤول له مكانته القوية على ساحة القرار الرياضي، وجدته يداهمني بسؤال مستفز «توصلنا بتقارير قوية من مؤسسات رصد ودراسات تؤكد أن مونديال الأندية القادم سيكون الأنجح عبر التاريخ وعلى كون المغرب سينال بموجبه شرف تنظيم كأس العالم للمنتخبات، وستشكل الدورة القادمة حدثا استثنائيا تتابعه الفيفا بكثير من الإهتمام».
وتابع جليسي «لماذا لا تنفضون الغبار عن منصف بلخياط ويتم استحضار إسمه وسط التهافت والتدافع الكبيرين على تبني مسابقة كانت قبل 3 سنوات مثل الجيفة الكل يهرب منها؟».
وحتى لا يفهم منها أنها كتابة تحت الطلب، وجدتني مقتنعا ألف بالمائة بوازع الإعتراف بالحق الذي هو من الفضائل، وإعادة قليل من الإعتبار لوزير غير الكثير من المفاهيم في علاقة الوزارة بالجامعة وفي أمور أخرى منها ملاعب القرب وباقي المصطلحات التي وجدت من يتبناها لاحقا.
يستحق منصف بلخياط الذي ركز أدواره كلها على مشاريعه الخاصة وتفرغ لمستقبله السياسي القادم عملا بمبدأ «مولا نوبة» تكريما ولو في صورة دعوة رسمية من خليفته الحالي أو من لقجع أو من سيتقمص دور كريم عالم في دعوة الضيوف البارزين للمسابقة، وأن يخلد إسمه قبل أن يسلم المشعل للبلد الذي سيحتضن النسخة القادمة.
مبادرة معنوية فيها الكثير من الإنصاف الذي يحق لبلخياط أن يناله، بنفس درجة الجلد والإنتقاد اللتان سلطتا عليه في ظل ما يروجون له من كون مونديال الأندية أكسب المغرب  مزايا كثيرة تفوق الإيرادات المالية وتتعداها بأن روج صورته سياحيا بالأرجنتين والبرازيل وأمريكا الشمالية.
شخصيا لا يسعني إلا أن أنقل للتاريخ اعترافا بكون جرأة بلخياط الذي حمل للمغرب مسابقتي كأس العالم للأندية وكان 2015، حين حشر في جوف إحدى الطائرات جيشا من الإعلاميين وحلق بهم رفقة الفتح للكونغو ليعود ببطاقة التنظيم، جرأته هاته قد تكون سببا في نيل المغرب شرف مونديال 2026 وحينها قد يعود بلخياط بجلباب آخر غير جلباب وزارة الشباب والرياضة، فيعكس العبارة الشهيرة
«نغرس ليأكلوا فغرسوا فأكلنا..».