نتفق على أن الفريق الوطني مع ما مر من وقت منذ أن أصبح عهدة بيد الناخب الزاكي بادو، ومع ما كان حتى الآن من محكات ودية لها طابع تجريبي واختباري، لم يرفع ما هو جاثم على القلوب من هم وغم وخوف من الآتي، ولم يتحرر برغم وجود الإرادة والحافز الذهني من جاذبية الرداءة التي تسيطر على الأداء منذ وقت طويل، ولم يقدم في المجمل إشارات مطمئنة لوجود كثير من المعطلات والموانع، إن فهمنا درجة تأثيرها السلبي على العمل التقني وعلى ذهنية اللاعبين ما توغلنا عميقا في التشاؤم، ولكن ما لا يمكن أن نتفق عليه هو ما كان بالخصوص في مباراة قطر بمركب محمد الخامس الدار البيضاء من ردة فعل سلبية للجماهير التي عبرت عن غضبها وانزعاجها مما شاهدت، بإطلاق صافرات الإستهجان وتشجيع لاعبي المنتخب القطري، في صورة لا يمكن أن نقبل إطلاقا لا بشكلها ولا بدواعيها ولا بمسبباتها.
بالقطع ليست هناك قوة تمنع الجماهير من أن تبدي الغضب وتظهر الإنزعاج وتعبر عن خوفها على مستقبل فريقها الوطني، ولكن ثقافة المناصرة لمنتخب يحمل إسم الوطن ويدافع عن راية الوطن ويحمل أمانة تحقيق أحلام الشعب لا تسمح باسم الغضب والخوف المسئول بالذهاب إلى ما شاهدناه في مباراة قطر، عندما إنقلب الجمهور على منتخبه في لحظة بالغة الحساسية، ولم يتوقف عند مجرد التعبير عن الإستهجان ورفض شكل ومحتوى الأداء، ولكنه ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى إستنصار الخصم وهو ما لا تقبله على الإطلاق أعراف الإنتماء.
وأنا أقف مثل الكثيرين منزعجا بل ومرعوبا مما كان في مباراة قطر في توقيت نعرف جميعا أهميته، حيث يحتاج الفريق الوطني إلى تعبئة جماعية لينهض من عثراته وليكون جاهزا للإستحقاق القاري الذي يستضيفه المغرب، تذكرت ما كان  في ملاعب إما تواجدت بها وإما أنني شاهدت مباريات تاريخية جرت على أرضيتها من صور مناقضة تفضح رعونة وخطأ ما كان بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء خلال مباراتنا الودية أمام العنابي القطري، تذكرت الزلزال الذي أحدثه المنتخب الألماني بملعب مينيراو ببيلو هوريزانتي في نصف نهائي مونديال 2014 عندما ألحق هزيمة بالمنتخب البرازيلي هي الأكثر كارثية في تاريخ السيليساو، وقد قدرنا ما كانت عليه الجماهير البرازيلية الحالم من حزن شديد بفعل قوة الزلزال وهول الصدمة، وكنا سنقبل منها أي ردة فعل تبديها اتجاه الترويع الذي حدث، إلا أنها أمسكت عن إستنصار الفريق الألماني وعبر كثير منها عن صدمته بأن سارع بمغادرة الملعب.
وتذكرت مباراتنا الثالثة أمام المنتخب السكتلندي خلال نهائيات كأس العالم لسنة 1998 بفرنسا، فلم يحدث أن إنقلب الجمهور السكتلندي على لاعبيه حتى وهم متخلفون بثلاثة أهداف، والأجمل من ذلك والأصدق تعبيرا عن ثقافة المناصرة وقيم الولاء أن الجماهير السكتلندية حيت لاعبيها بعد المباراة برغم هزيمتهم لأنها تعرف أنه لظروف بعينها سقط الفريق ولم يسقط الوطن.
وتذكرت المباراة الودية التي لعبها الفريق الوطني ببروكسيل أمام الشياطين الحمر سنة 2008، وكيف أن الجماهير البلجيكية ومنتخبها مهزوم في عقر الدار برباعية، أظهرت إنزعاجها وغضبها اتجاه ما كان يجرى أمامها إلا أنها لم تنقلب على لاعبيها، لم تتحول بالمرة إلى تشجيع لاعبي الفريق الوطني في أي لحظة من اللحظات، لقد حيت فوزهم الكبير عند نهاية المباراة وأبدا لم تعلن حالة الشقاق عن منتخبها القومي، وقد أستمر في سرد ما لا يحصى من الأمثلة للتدليل على أن من كانوا حضورا في مباراة قطر خرجوا عن النص وكسروا الميثاق التعاملي الذي تفرضه قيم الإنتماء، ولربما فرضوا اليوم بالذات، بالفعل الذي أتوا به ورفضه واستهجنه الكل، العودة إلى ما كنت قد ناديت به ذات مرة، إنشاء نادي للفريق الوطني يعيد صياغة القيم والأعراف والمواثيق التي يغفل عنها البعض لوجود معطلات كثيرة على مستوى التوعية والتثقيف.
نادي ننتمي إليه جميعا بالقلب والعقل والوجدان ويربطنا ربطا مطلقا مع منتخباتنا الوطنية، حيث يكون المبدأ الأول هو مناصرة ودعم هذه المنتخبات الوطنية بلا قيد وبلا شرط ومن دون مزايدة، وحيث يكون المبدأ الثاني هو أن لا إنتماء يعلو على الإنتماء للوطن، وحيث يكون المبدأ الثالث هو جعل مباريات الفريق الوطني مناسبة للتعبير بطريقتنا عن حبنا لهذا الوطن، كما كان الحال في مباراة الجزائر سنة 2011 عندما أبدعت الجماهير المغربية «تيفو» الثالوث المقدس للمغرب، وكما كان الحال في كل المباريات التاريخية التي كانت فيها الجماهير جناحا حمل لاعبي الفريق الوطني إلى عنان السماء لصنع ملاحم وأفراح الوطن.
إن المغاربة الذي أبدعوا عبر كل وسائل الإتصال المستحدثة العديد من الصور التي تعبر عن إنتمائهم لبلدهم وعن إنخراطهم في مسلسل البناء المجتمعي الذي يقوده عاهل البلاد، قادرون على أن يبدعوا نمطا يزيل هذا الإسفاف ويسقط هذا الإبتذال في المناصرة ويشعر لاعبي الفريق الوطني بأنهم محميون من جماهيرهم مهما كانت الظروف، من دون أن يسكت ذلك أصوات النقد التي يجب أن ترتفع للتصحيح والتقويم لا للهدم والتحطيم.