لن أسأل كيف يعيش الديكتاتور في عقل محمد بودريقة، ولكنني سأسأل متى ولد هذا الديكتاتور في فكر بودريقة.. أنا من يعرف مثلكم أن الرجل الذي جاء لرئاسة الرجاء البيضاوي يافعا كأحلام الربيع ليتسلم قيادة فريق عريق مثقل بالألقاب وبالإنتظارات أيضا من جيل قايض وداور إلى أن أنهى دورته الزمنية، جاء يحمل براءته بين كفيه، صحيح أنه كان طموحا وجسورا وعالما علم اليقين بما ينتظره، ولكنه لم يعمر طويلا في جحور المقاومة وفي جيوب المعارضة حتى يتقمص شخصية الديكتاتور بعد قرابة السنة والنصف على تقلده رئاسة الرجاء، فليس للرجل فيما أعرف لذة للإنتفام ولا نية له أن ينتقم ومماذا وممن سينتقم؟
إستغربت وأنا أقرأ ما تداعى من ردات فعل وأيضا من تأويلات للذي قاله ويقوله بودريقة وهو من النوع الذي لا يطيق إبتلاع لسانه إلى أن تمر عليه الغارات، إستغربت أن يجعلوه تارة ديكتاتورا وأن يجعلوه تارة أخرى عدوا للصحافة، كما استغربت أن يتحامل أيضا على نفسه ليصدر أحكام قيمة حول المشهد برمته، كأن يقول بأن الصحافة لم تكن للرجاء شريكا في حصولها على لقب وصيف بطل أندية العالم.
يعرف بودريقة جيدا أن النقد الصادق وغير الصادق، الموضوعي النزيه أو الموجه لخدمة أجندة معينة لا يمكن إلا أن يقوي ويحفز ويدفع إلى النجاح، لذلك فإن الصحافة في عمومها مهما قويت لن تستطيع أن تنال ممن إشتد عودهم وكبرت ثقتهم بأنفسهم، ويعرف بودريقة أن المشروع الذي جاء به لا يمكن أن يهتز إلا بشيء واحد، إذا إهتزت الثقة فيه وإذا غابت النتائج وتراجع منسوب الصبر.
ويعرف بودريقة أن المشروع الذي صممه على مقاس فكره وحجم طموحه لا يمكن إلا أن يكون نجمة صغيرة في سماء الرجاء، تشع لوقت معين وبعد ذلك تترك مكانها لأنجم أخرى، إلا أنني متطلع إلى أن يصل مشروع بودريقة لأبعد مدى في التعبير عن نفسه، لأنه عنوان لإرث رياضي عليه سيتأسس مستقبل الرجاء القريب قبل البعيد، فالوصول إلى نهائي كأس العالم للأندية لا يمكن حصر مكاسبه فيما هو بريستيج وما هو مادي، لطالما أنه سيكون مغذيا للإرادة وحافزا على مزيد من بذل الجهد وعلى مزيد من التخيل والإبتكار، ولا أعتقد أن بودريقة ومعه مكتبه المسير كان سيتحمس بالقدر الذي نلمسه اليوم لإنشاء أكاديمية للرجاء تكون متفردة شكلا ومضمونا في القارة الإفريقية، لولا النجاح المبهر الذي تحقق في مونديال الأندية، حتى لو أراد بودريقة لأي غاية يختارها بأن لا يجعل من الإعلام شريكا فعليا في هذا النجاح.
عندما نعمل بفلسفة الإرث نكون كمن تعلم أن يرى ما هو أبعد من أنفه، وأنا موقن من أن بودريقة في رهانه على نجاح اللحظة يراهن على نجاح أكبر من ذلك بكثير، أن يترك للرجاء إرثا كرويا واقتصاديا يخلد به في الذاكرة الرياضية الجماعية ويكون مقدمة لملاحم أكبر.