كتب الله في عمر الرواد أجلا حتى عاشوا مهزلة مدربين أصبحوا يتأففون ويتعففون على تدريب الأسود، وزمنا أصبحت الجامعة تطلب فيه «صدقة عالله» ولا من مجيب، وتنشد مروضا لأسدها المريض ولا من ملبي للنداء.
في نهاية المطاف إنتظر الهولندي بيم فيربيك ليرد الصفعة لكثير من الأشخاص بعدما رضينا به كـ «الهم» ولم يرض هو بتدريبنا، محيلا عبد الله غلام على رويضة «سوكور» أخرى بعيدا «كاراجه»، وليربح نقاطا على ظهرنا وظهر الجامعة بأن أضاف درجة لنهج سيرته، وغدا سيفاوض منتخبات وأندية ويضيف بعض التوابل ليخبرهم أنه رفض في يوم من الأيام تدريب المنتخب المغربي وهو الذي كان يتربص به الدوائر منذ حلوله بيننا أهلا وليس سهلا.
وكعادة مطرب الحي الحائط القصير الذي يركب على صهوة الواجب الوطني فتركب الجامعة عليه لقضاء كل مآربها، نجح غلام في أن يجد «البريكولور» الذي ظل يبحث عنه بعدما أقنع بنعبيشة الغاضب بمهمة تجهل فوائدها طالما أن الرجل لن يكمل مشواره ربانا لما بعد ودية الغابون.
لماذا بنعبيشة غاضب ولماذا ليس سعيدا بأن يدرب الأسود حلم كل مدرب؟
بنعبيشة غاضب للغارات التي وجهت ضده وللقصف الذي طاله بعد «الشان» وللمدفعية الثقيلة التي صوبت نحوه وهو الذي رمت الجامعة بين يديه قنبلة إسمها تدريب منتخب المحليين في ظروف أقل ما توصف به بالبئيسة والمقرفة.
لكن على بنعبيشة ألا يغضب كثيرا لأنه كان يعلم قبل شهرين وقبل أن يسافر للولايات المتحدة الأمريكية بعد ذكرى المسيرة الخضراء، أنه هو المدرب القادم لمنتخب المحليين واتفق مع الجامعة على أن يبقى التعيين سرا، دون أن يبادر لفرض مطالبه على مستوى التحضير وبرنامج تهييء هذا المنتخب، وهو ما يصطلح عليه بـ «اللي دار الذنب يستاهل العقوبة».
وعلى بنعبيشة ألا يغضب لأن عسل المنتخبات الوطنية لا بد له من قرصات نحل رفاق الدرب وقبيلة الإعلاميين وهلم شرا ممن يحق لهم انتقاد أداء من يتولى زمام مهام من هذا العيار.
لكن هل نشكر اليوم بنعبيشة على شهامته وموقفه النبيل بأن جنب الجامعة حرج تسول مدرب؟
لا أعتقد ذلك، لأن بنعبيشة قبل أي كان يعلم أنه كان من سابع المستحيلات أن يقول لا للجامعة ولغلام، ومن سابع المستحيلات أن يكرر ما فعله فيربيك، لذلك مارس قليلا من الدلال والغنج لأنه كان في قرارة النفس يمنيها بمرور ولو خفيف من محراب الفريق الوطني ولو لليلة.
أتذكر طيب الذكر مصطفى مديح الذي درب المنتخب المغربي في مباراة حاسمة ورسمية ذات يوم أمام كينيا وفاز بها، ثم رحل في هدوء دون أن يثير من خلفه غبارا ولانقعا، ودون أن تحفظ له الجامعة السابقة هذا المعروف وهي تقيله بعد العودة من أثينا بطريقة لم تحفظ للملح ولا الود مكانا.
ما عاشه المنتخب الوطني وسيعيشه بعد ذهاب بنعبيشة، سيصبح حكاية ورواية يحكيها من عايشها اليوم للأجيال اللاحقة، سيخبرونهم أن الجامعة الحالية أقالت ذات يوم روجي لومير ومنحته 300 مليون سنتيم، وعينت مكانه جيشا من المدربين بلغوا أربعة في المجموع فتشابهوا علينا لدرجة لم نعرف من الرقم 1 والرقم 4، وتعاقدت بعده مع مدرب سير الأسود بـ «التيليكوموند» وهو البلجيكي إريك غيرتس وطلقته بـ 700 مليون سنتيم، وعجزت عن فك عقد فيربيك الذي أراها النجوم في عز الظهر، فتعاقدت مع الطوسي بعدما أصرت مرة أخرى على وضعه رفقة 3 مدربين آخرين أمام «كونكور» شفوي وشكلي بمقرها وأمام لجنة بها رئيس لفريق بالهواة.
فانتهى عقد الطوسي ليعيش الفريق الوطني عطالة لخمسة أشهر، كما عاشوا سابقا عطالة لـ 9 أشهر، لتحتار في تدبير بديل لرشيد لأنه لم يكن بين طاقمها رجل رشيد ينهي هذا المنكر.
حسرة على الأسود الذين كانت طوابير مدربين تقف على بابهم تنشد لحظة اختيار واحد منهم للمهمة، بعد أن أصبحوا على عهد جامعة تصريف الأوحال أشبه بالجيفة التي تزكم رائحتها الأنوف فيتعففون من الإقتراب من محميتها.
في نهاية المطاف هنيئا بجامعة علمتنا درسا في كيف تصبح مدربا في ثلاثة أيام؟