يؤلمني أن يكون هذا هو حال المغرب الفاسي، أن يفترى عليه وأن يداس له هكذا من دون إستيحاء على طرف وأن يصبح رهينة يساوم في تحرير رقبته وفي إعطائه ما كانت دائما مصدرا لقوته، إستقلاليته الكاملة عن كل التحالفات والمزايدات، ما لها طبيعة سياسية وما لها طبيعة إنتفاعية، فهذا الفريق جاءه رجال صرفوا عليه من مال أبنائهم حتى تهدد الإفلاس كثيرا منهم، وجاءهم أيضا منتفعون إن لم يغنموا من أمواله وخيراته ركبوا على الأعناق لقضاء مصالحهم.
إستفزني مثلكم أن يكون المغرب الفاسي قد تأخر كل هذا الوقت من أجل أن يعقد جمعا ينهي كل التشرذمات ويوقف نزيف التضييع الغريب للوقت في التربيطات والتوافقات وجبر الخواطر خاصة تلك التي لا تستطيع أن تميز بين ما هو مصلحة عليا للفريق وبين ما هو ترطيب للخواطر وجبر للأضرار النفسية، وهالني أن يكون هذا الجمع قد إنتهى إلى ما بدأ منه، أن تتعطل لغة التوافق وأن يكره مروان بناني على الإستمرار موسما واحدا فقط لعل إنفراجا يأتي فيصلح الله ما بالنفوس.
كان مروان بناني الذي نجح في إحداث ما يشبه الثورة بإخراج المغرب الفاسي من الجفاف الذي عاش عليه لمواسم على مستوى الألقاب، قد أصر على أن يسدد له جزء من ديون مستحقة له ومثبتة في المحاضر ليفسح المجال لرشيد الحادني الذي قيل أنه حامل لمشروع جديد يراهن على إخراج فريق العاصمة العلمية من حالة الجمود والإفلاس التي يوجد عليها، وانتظر أن ينفذ ذلك بالطريقة التي يرتضيها لمعرفته المسبقة بالأجندات التي تحرك الرياح الجديدة، وعندما أيقن أن هناك نوعا من المماطلة دخل جمعه العام وقرر بسلطة المنخرطين الفعليين أن يستمر في معاكسة التيار والبقاء سنة أخرى على رأس الفريق يجب أن نتوقع حدوث الأسوأ فيها، فيقينا أن السلطات المحلية ستواصل تجميد معوناتها عقابا لبناني على «قسوحية الراس» وعلى سياسية لي الدراع التي ينهجها، وحتما إن إستمرت صنابير الدعم مسدودة لجأ مروان بناني لأمرين إثنين إما أن يزيد في تثقيل كاهل الفريق بالديون لمواجهة المصاريف الثقيلة وإما أن يلجأ لخيار بيع اللاعبين لإيجاد ما يكفي من السيولة لمواجهة الوضع، وفي الحالتين معا هناك طمس لما بقي من المعالم وقطع لما بقي من الشرايين والأوردة.
بالقطع يشتم من هذا الصراع المرير الذي لا خاسر فيه سوى المغرب الفاسي، أن هناك حالة من الشد والجذب بين مروان بناني وبين عمدة مدينة فاس إدريس شباط، أقرب منها إلى حرب معلنة كل يوظف فيها أسلوبه للنيل من الآخر، وارتكازا على أصول الحكامة الجيدة وعلى ضرورة تنزيه مصلحة فريق ينطق روحيا ورياضيا باسم مدينة فاس وتأسيسا على ثقافة المسئولية المقترنة بالمحاسبة والتي يقول بها الدستور الجديد للمملكة، فإن ما يصرح به من أن هناك حربا معلنة بين شباط وبناني وأن شرط فتح صنابير الدعم المغلقة في وجه المغرب الرياضي الفاسي هو في رحيل مروان بناني، يفرض طرح سؤال العلاقة التي يجب أن تقوم بين عمدة مدينة وبين رئيس فريق تابع لنفوذه الترابي، علاقة الوصاية أم علاقة المصاحبة أم علاقة الدعم المقرون بالمحاسبة؟
كنت من الذين طالبوا في إطار عقلنة وترشيد المنح المالية الممنوحة للأندية الرياضية بموجب ما ينص عليه الدستور واحتكاما لما أوصى به صاحب الجلالة الملك محمد السادس في رسالته التاريخية الموجهة للمناظرة الوطنية حول الرياضة سنة 2008، بأن يصاغ فصل من القانون المنظم للجماعات ولمجالس المدينة والجهة يقنن الدعم المقدم للأندية الرياضية بما يضمن نجاعته وبما يضمن أيضا عدالته فلا يتفاوت من مدينة لأخرى ولا تختلف طريقة وحتى أسلوب صرفه بين جهة وأخرى، دعم لا يرفع عن الأندية الرياضية بمزاج هذا المسئول أو ذاك ولا يصرف بحسب الأهواء والولاءات السياسية لهذا الحزب أو ذاك، دعم يشترط بالمحاسبة والمراقبة إحتكاما لما ينص عليه الدستور عند صرف المال العام ولا يتعداه إلى التحكم في مصائر النوادي والقبض على رقابها.
إن المغرب الفاسي أكبر بكثير من أن يفصل رأسه بهذه الطريقة المثيرة للتقزز ليصبح لعبة تتقاذفها الأقدام والمصالح والنزوات، وإذا كان هناك من يرى أن من مصلحته أن يكبر الصدع ويقوى وأن تحتد لهجة الخلاف، فإن أهل فاس لا بد وأن يحموا بطريقتهم فريقهم الذي أصبح للأسف رقما صغيرا في معادلة كرة القدم الوطنية، هو من بشرنا قبل ثلاثة مواسم بأنه إستعاد الذاكرة المفقودة عندما فاز بالثلاثية التاريخية، ثلاثية لا يمكن لأحد وأولهم إدريس شباط أن ينكر فضل مروان بناني فيها، حتى لو تبث اليوم أنه ما عاد يصلح.