.. ولماذا نستغرب أن السيد عبد الإله بنكيران لم يأت على ذكر الرياضة ولو بكلمة في عرضه لما أنجزته حكومته مع إنتصاف مدة الولاية في البرلمان أمام نواب الأمة، لماذ نتحير عندما لا نجد من قلدهم أبناء الشعب مسئولية الدفاع عن معيشهم وعلى أحلامهم وأحلام أبنائهم يذكرون السيد رئيس الحكومة بهذا القفز المبرمج على الرياضة عند عرض المنجز من قبل الحكومة، وكأن الرياضة لم ترد في منطوق الدستور الجديد كمحرك إقتصادي واجتماعي وتربوي وكرافعة من رافعات التنمية كما إختارها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمشروعنا المجتمعي الحداثي والديموقراطي.
لماذ نستشيط غضبا؟
ولماذا نرفع الصوت إحتجاجا وشجبا؟
ولماذا نرمي السيد رئيس الحكومة بتهمة التقصير في حق الرياضة وهو منها محصن وبريئ براءة الذئب من دم يوسف؟ لماذا نتطاول عليه وكلنا يعرف أن الحكومة لم يكن لها في صلب المشروع والمنجز في النصف الأول للولاية وحتى المبرمج للنصف الثاني من هذه الولاية أي سياسة رياضية وأي مخطط لا ثلاثي ولا رباعي ولا خماسي لتطوير الحركة الرياضة وتمتيعها بكل ما يضمن لها بنيويا ولوجستيكيا وماديا أن تكون إحدى رافعات التنمية، على الرغم أنها ورثت من السلف منظورا واستراتيجية إنبثقت من المناظرة الوطنية للصخيرات ومن رسالة التوجيه التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بحكمة القائد لتكون فلسفة لمنظومة التغيير والتطهير والإصلاح.
أبقى السيد رئيس الحكومة تحت الإكراه أو تحت طائلة النسيان أو إمعانا في تفقير الرياضة ميزانية وزارة الشباب والرياضة على حالها، لا تتجاوز سقف الصفر إلا بالنزر القليل في النسب المائوية المخصصة للقطاعات الحكومية داخل ميزانية الدولة، ولم يكلف نفسه ولا حكومته عناء فرض دراسة ومسح للوضعية لمعرفة أوجه الخصاص بكل أبعاده وقد تورمت، فما ترك للوصي على الوزارة إلا شيئا واحدا هو أن يتحول إلى دون كيشوت يحارب الطواحين والوارثين للجامعات الرياضية والمتلاعبين بالحكامة، فدخل قهرا ساحات المعركة لينتصر لما أسماه بالديموقراطية في التسيير وليقتلع أضراسا مسوسة وليدفع إلى دمقرطة متقدمة للأجهزة الرياضية وليفرض نظاما للمحاسبة مقترن بتحمل المسئولية، ومقابل هذا لم يجد بقبضة اليد ما يستطيع به أن يصلح أعطاب المشهد الرياضي ويضخ فيه ما يكفي من الأموال لسد ما كان يبدو من ثقوب في الإمكانيات المادية.
فاقدا لمشروع حكومي يراهن على النهوض بالرياضة الوطنية عملا بأحكام الدستور، إنطلق السيد محمد أوزين وزير الشباب والرياضة في عمل قيل أنه تقويمي وهيكلي بالمراهنة على إصطلاحات حديثة، وقضى أسابيع بل أشهرا في محاربة من أسماهم بالطابور الخامس ومن قال أنهم جيوب المقاومة، مقاومة كل مد إصلاحي، وبين تنبيه في صورة تحذير لكل ما له طبيعة تدخل حكومي في شأن خاص للجامعات كما حدث مع جامعة كرة القدم وجامعة كرة السلة وبين فشل ذريع لكل مساعي التأقيت التي يكفلها قانون التربية البدنية والرياضة للجهاز الوصي على الرياضة وبين فراغات قانونية وتنظيمية مهولة إفتضحت مع عملية المسح، أصبحنا أسرى حالة من الضياع الخطير المفضي لقلق كبير بل ومزمن لا نكاد نتبين معه أفقا جميلا وواعدا للرياضة يضمن لها لعب ما هو محجوز لها من أدوار في منظومة التنمية الوطنية.
وطبعا ما كان للسيد الوزير أن يدخل هذا البحر المتلاطمة أمواجه من دون شراع ولا بوصلة ولا خارطة إبحار لو أن حكومة السيد عبد الإله بنكيران فعلت ما كان يتردد من أن الرياضة من أكبر أولويات المشروع المجتمعي الديموقراطي الوطني بجعلها قطبا في مشروعها، ولو أنها قامت بتنزيل ما ينص عليه الدستور من دعم وتشجيع للرياضة ولو أنها أغنت إستراتيجية الإصلاح الرياضي من خلال سياسة تقويمية معلنة مرصود لها ما يكفي من إمكانات مادية ولوجستيكية، ما كنا سنعاتب السيد رئيس الحكومة على أنه أسقط الرياضة من المنجز حكوميا وحتى من المخطط له في الأماد القريبة لو أن الحكومة تبنت مشروعا لتنمية مستدامة للرياضة الوطنية التي ما تراجع أداؤها دوليا وقاريا وجهويا إلا لأنها لم تملك إرادة حكومية لتجديد دمائها وسياستها ونخبها، فانتهى بها الحال إلى وضع محتقن بكل ما تحمله الكلمة من دلالات.
لا بد أن السيد عبد الإله بنكيران وأعضاء حكومته قد وقفوا على درجة الكونية التي بلغتها كأس العالم لكرة القدم، حتى أن نسختها العشرين التي أقيمت بالبرازيل واستهلكت شهرا كاملا من المتابعة إستحوذت على المشهد الإنساني وتفوقت بكثير، مشاهدة وتفاعلا، عما عداها من أحداث حتى تلك التي يرتبط بها مصير العالم، ومع الوقوف على هذه الكونية المتنامية لكرة القدم في ظل ما تتيحه أساليب التواصل الإجتماعي في القارات الخمس للجزم بأن الرياضة باتت قوة دفع رهيبة في المجتمعات، كانت هناك حسرة كبيرة على أن المغرب الذي كان سفيرا رائعا للقارة الإفريقية في نسخ سابقة لكأس العالم، غاب عن مونديال البرازيل كما غاب عن مونديالات ثلاثة سبقته، وما غاب أسود الأطلس عن أربع كؤوس للعالم، وما تراجع حصادنا من الميداليات أولمبيا منذ إعتزال الأسطورة هشام الكروج، وما تقهقرنا في ترتيبنا رياضيا على المستويين العربي والإفريقي والمتوسطي إلا لأننا ابتعدنا عن روح العصر وما يشهده من سباق شرس نحو المستويات العليا، وابتعدنا عن كل ما له طبيعة نقدية وتقويمية للهيكل الرياضي، ولن يقنعني أحد بأن هذه ليست مسؤولية الحكومة وإنما هي مسؤولية أي هيئة رياضية أخرى.
إن بناء مجتمع رياضي مغربي يجسد الإبتكار والإبداع المغربي الذي قدم عشرات الأبطال على مر الحقب صورة عنهما، ويتمثل الأدوار الإجتماعية والإقتصادية والتنموية المناطة به لا يمكن أن يتأتى إلا إذا نحن نزعنا إلى منظور جديد يرتفع عن الطريقة التقليدية التي يدار بها الملف الرياضي في المغرب، فإذا كان دستورنا الجديد الذي صاغته عقول مغربية نيرة قد أوصى بإحداث مجالس عليا لتدبير قطاعات ذات الأولوية، فإن ما أسلفته من رصد للحال البئيس وللإختلالات البنيوية والهيكلية وما قلت أنه غياب غير مبرر للسياسات الرياضية، وما نريد أن يكون عليه المشهد الرياضي المغربي من مناعة واحترافية وتماسك لكل القواعد بات يفرض أن يكون هناك مجلس أعلى للرياضة يكفينا ما يكون أحيانا من سهو حكومي.