بداية من اليوم ولغاية العشر الأوائل من رمضان المبارك، سيأخذنا سحر المونديال بعيدا لنهيم في ملكوت كرة لم نعد ننتمي لكوكبها ولا نحن من رواد خارطتها.
كعاشق للساحرة المستديرة يعود بي مونديال البرازيل هذا لسنوات خلت تشابه في التاريخ والجغرافيا، والإختلاف الوحيد هو غياب المنتخب الوطني عن رحابه، حيث سبحت ذاكرتي في مونديال المكسيك 86 وهو أقرب ما يكون لأمريكا  اللاتينية ويومها تزامن الحدث العالمي مع غرة شهر رمضان المبارك، حيث سافر بنا يومها الجيل الرائع بعيدا في عوالم التألق والفنطازيا الكروية التي جعلتنا نغادر ليلة القبض على البرطقيز غير مبالين لا بـ «سُحُور» ولاهم يمرحون لننتشي فرحا و تهليلا لإنجاز ولد ومها من رحم الرجولة والكبرياء الذي افتقده  أسودنا اليوم للأسف الشديد.
يومها حضر المنتخب الوطني بمكسيكو 86 وكان آخر حضور له بنفس المكسيك 70، ما يعني أنه دار دورة على نفسه لـ 16 من الغياب والأفول والكسوف الكامل قبل أن تشرق شمسه من جديد ببلاد حضارة الأزطيك والكاكتوس.
غياب قسري لم يكن يكتب يومها بمداد المهانة والذل كما كشف عنه الحجاب في هذا الزمن الرديئ للاعبينا، غبنا عن الأرجنتين 78 لصالح تونس العملاقة بالحظ والقرعة وتغيبنا 82 لصالح الكامرون المتوحشة وغول إفريقيا يومها، وليس كما نحن مرشحون اليوم للغياب 20 سنة بالتمام والكمال وهي أطول دورة وفترة غياب للمنتخب الوطني عن المحفل العالمي منذ وطأت أقدامه المونديال.
أشاطر أصحاب المنطق على أن الأسود ليسوا مطالبين كل مرة بأن يكونوا فرسان إفريقيا وسفرائها بالمونديال، لكنه ثمت تاريخ يشهد على أن هناك أكثر من فارق بين غيابات الأمس العزيزة وغيابات اليوم المطبوعة بالذل والهوان.
صاقرنا منتخب السينغال سنة 2002 لغاية الممر الأخير وتخلفنا عن مونديال آسيا بفارق الأهداف وبالجولة الأخيرة، وأكد منتخب أسود تيرانغا بنجمه حاجي ضيوف بعدها وهو يعبر لدور ربع النهائي بالمونديال على أن منتخبنا كان بكعب عالي جدا.
وتخلفنا عن ألمانيا 2006 بنفس الحسبة لصالح تونس مع إحصائيات تحدثت لأول مرة عن إقصاء منتخب إفريقي لم يخسر بالتصفيات.
قبل أن نتحول لأرانب سباق بعدها في تصفيات 2010 ونترك عبورا سهلا لكوت ديفوار بالمونديال الحالي دون جرأة على بلوغ محطة الدور الفاصل.
20 سنة تآكلت من الإخفاقات ووئد الأحلام في قارة تحولنا من فرسان قبعاتها للمصنفين بالتصنيف الثالث ومتذيليها بشهادة الفيفا وما جاورها.
20 سنة وقد تصبح 24 سنة إن فشل المنتخب الوطني من أن يكون واحدا من فرسان المونديال الروسي سنة 2018، تعني أن جيلا بهذا العمر ويبلغ من العمر 3 عقود  لم يمن النفس بمشاهدة منتخبه بهويته المونديالية العالمية واكتفى بما تسوقه الروايات وتنقله الفضائيات من واحات النوسطالجيا وريبيرتوار المسابقة.
للأسف الشديد أنه في الوقت الذي كان يتقاتل فيه المنتخب الوطني لتمثيل إفريقيا حين كان فارس واحد أو إثنان منهما هما يتحملان شرف المشاركة نيابة عن باقي منتخبات القارة السمراء، ها هو اليوم يعجز عن تأكيد حضوره ضمن فيلق الخمسة المبشرين بالتمثيلية وهو ما يعكس حجم الخراب والفشل و التراجع الرهيب في الأداء والفكر والمحصلة التقنية.
لا تهمني فضائح بلاتير ولا ما تحصل عليه من إكراميات ولا رقصاته على أكثر من حبل ببهلوانية ما عادت اليوم تنطلي على أحد، حتى وإن كان في طريقه لمسخ هوية المونديال والحكم على براءة المسابقة بالإغتيال ويدفع عددا كبيرا من محبي الكرة والرياضة النظيفة لتغيير الوجهة صوب ممارسة أخرى، أقل عفونة ووسخا من الكرة التي يسوقها بلاتير حاليا.
ما يهمني هو أن ينتصر المونديال لقيم الفرجة التي عهدتها فيه صبيا ويافعا ثم شابا مدركا، وأن تقدم لنا المنتخبات المشاركة أطباقها الدسمة حيت تبلغ المسابقة ذروتها شهر الصيام.
وما يهمني أكثر هو أن ينتفض الأسود ويستعيدوا الهمة والشموخ، ويدركوا أن التاريخ سيتجاهلهم إن لم يحضروا المسابقة الكونية كما تجاهلوا هم طموحات وأحلام جيل لم يشهدهم بين الكبار والصفوة.