قطعا لا يستطيع أحد أن يجادل في أحقية المغرب التطواني بحيازة لقب البطولة الإحترافية بعد سباق حبس الأنفاس إلى غاية الأمتار الأخيرة، وليس بمقدور أحد أن ينزع عن المغرب التطواني صفة البطولية، فحتى وهو يخسر بالخمسة أمام منافسه المباشر الرجاء البيضاوي، حتى والناس يبيعون جلده بأبخس الأثمان ظنا منهم أن الحمامة ما عادت لها قدرة على التحليق، فقد قلب لنا المغرب التطواني ظهر المجن ووجد في الوعاء قدرة سحرية على الإنطلاق مجددا إلى دوائر الفرح للقبض على لقب ما أظنه عشق غيرهم.
ليس لنا ما نقدمه للمغرب التطواني وهو يرفع الدرع والتاج للمرة الثانية في ثلاثة مواسم، سوى تهنئة من القلب مشفوعة بالإعتذار عما يمكن أن يكون لحق فارس الشمال من أذى وظلم وتشكيك بعد الذي كان في ذلك المساء بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء في رقصة النار أمام النسور.
صحيح أن المغرب التطواني ما كان سيعلن بطلا للمغرب بعد سقطة الدورة ما قبل الأخيرة لو أن الرجاء ما تصدع تكتيكيا بملعب المسيرة بآسفي إلى الحد الذي جعله يترك الريش والحلم والزاد في مواجهة القرش المسفيوي، ولكن ما رأيناه بأم العين مجسدا في صور نضالية ومكرسا بأسلوب لعب قائم بذاته ومرتكزا على فلسفة مندمجة ومتطابقة يجعلنا نقف في نهاية البطولة الإحترافية أمام بطل مستحق للصفة حتى لو أن المثاليات وجاذبية العواطف تركت البعض يقول أن الرجاء هو من كان يستحق اللقب.
ولأن من يجب أن يهنأ بعد اللاعبين الذين قاوموا كل الظروف المحبطة وتفوقوا على الضغط النفسي الذي يتلون كالحرباء، وبعد الجماهير التي رابطت في ساحات الإبداع تحفز وتساند حتى في أحلك الظروف وبعد الإطار عزيز العامري الذي يمكنه أن يفخر بأنه صانع إنجاز تاريخي عندما قاد فريقا إلى اللقب مرتين في ثلاث سنوات معتمدا على نجومية الجماعة التي تجهض كل تطاول فردي يمكن أن يعطل الأداء الجماعي، بعد كل هؤلاء لا بد أن تهنأ إدارة المغرب التطواني، ولا بد أنكم إنتبهتم إلى أنني إستعملت مفردة الإدارة وليس المكتب المسير لأن قيمة نجاح مشروع المغرب التطواني تكمن في روح وجوهر العمل القائمة على الفكر المقاولاتي في التدبير، فكما أن العمل التقني يؤمن بالإختصاص وبجلب الكفاءات التي لا تختبر إلا بمقياس العمل والتكامل فإن العمل الإداري إرتكز على كل ما يدفع إلى النجاح، الأسلوب المقاولاتي في التدبير اليومي والأسلوب التشاركي في صناعة القرارات الإستراتيجية والأهم من هذا كله أنه راهن على الإستقرار في بناء الصرح والمنظومة، فلا أحد يمكنه اليوم أن يقول بأن المغرب التطواني توج مرتين في ثلاث سنوات بلقب البطولة الإحترافية بمحض الصدفة أو بفعل فاعل مستثر، من الفاعلين الذين نفكر فيهم بخبث عندما لا نستطيع أن ننسب النجاح لشخوصه أولا وللإثقان والإحترافية اللتين سادتا العمل ثانيا.
وعندما أجزم بأن لقب البطولة الإحترافية المحصل عليه هذا الموسم يختلف كليا من حيث المبنى ومن حيث الغايات المستهدفة ومن حيث المذاق عن لقب موسم 2011ـ2012 فلأنني أدرك جيدا أن السياقات الزمنية مختلفة وأن الطريق التي مشاها الفريق التطواني هذا ليقبض بكامل الأهلية والجدارة على اللقب، مختلفة في تضاريسها عن الطريق التي قادته لأول لقب في تاريخه، ما يعني أن هناك حالة من النضج وحالة من الإكتمال وحاجة ماسة لأن يكون المغرب التطواني وهو في جلباب البطل بهوية تكتيكية وبشخصية فنية ورياضية تساعد على لعب الأدوار الكثيرة التى تناط في العادة بالبطل وبالمسؤوليات التي توضع على أكتافه، فالمغرب التطواني إن كان قد عذر لخروجه المستعجل من عصبة الأبطال الإفريقية قبل سنتين، لن يكون مسموحا له على الإطلاق بأن يغادر عصبة الأبطال سنة 2015 من أصغر الأبواب، وبرغم أننا لن نكون ظالمين للمغرب التطواني فنطلب منه أن يكرر في النسخة 11 لكأس العالم للأندية نفس الإنجاز الأسطوري للرجاء ببلوغ المباراة النهائية، إلا أننا سننتظر من المغرب التطواني أن يطيل قدر ما يستطيع مغامرته المونديالية التي سيكون فيها مدعوما ومؤازرا من كل المغاربة وليس فقط من جماهيره العاشقة.
وحتى ينجح المغرب التطواني في مصالحة الكرة المغربية مع عصبة الأبطال الإفريقية عندما يدخلها العام القادم مع الرجاء، وحتي ينجح في كسب رهان العالمية بالقدر الذي يتناسب مع ممكناته الفنية والبشرية وحتى يضمن الفريق لنفسه بالمطلق صفة الإنتساب للأندية القيادية التي تتنافس تقليديا على الألقاب، فإنه محتاج لأن يرفع سقف الطموح ويكشف عن وجه جديد لعملة الرهان، وينتقل فعليا إلى حالة متقدمة من الإستلهام، وكل هذا يحتاج إلى جرأة وجسارة وحذاقة لا أظن ان إدارة المغرب التطواني تفتقدها.
يستمر عزيز العامري في قيادة المركب، هذا تعزيز للعمل وتكريس للإستمرارية التي هي عنوان النجاح، ولكن لن تكون لعزيز العامري القدرة على أن يعطي بعدا جديدا لمنظومته الفنية المؤسسة على الكرة الجميلة والشاملة إن لم يعط كل الإمكانات المالية ليمتع المغرب التطواني بالغنى البشري الذي من دونه لن يصبح للمغرب التطواني لا بعد عالمي ولا حتى بعد إفريقي.
ليس بعزيز على تطوان أن تضرب لنفسها ولكرة القدم المغربية موعدا جديدا مع التاريخ.