وأخيرا إنتهى «مولد» البطولة التي تضع على جدرانها المشبعة بالرطوبة صباغة «الإحترافية» على الرغم من أن في الوصف مقال كثير، تختصرها حكاية البوديوم و طريقة وضع الصينية بين يدي الفريق البطل، وحدها تلخص هواية العقول والأبدان، وكيف يهرول الرئيس بـ «الطبسيل» وتعم فوضى التسابق صوب الميداليات.
طار الحمام بالزاد وعاد النسر لعشه حزينا من آسفي، في واحدة من مفارقات الجلد المدور الذي يؤمن بحقيقة «يوم لك ويوم عليك».
الرجاء خسر بآسفي التي فيها غايبي الذي رفع الموسم المنصرم بوجهه إلترا الفريق تيفو «شيفور» أكرم والفهري، وخسر بآسفي التي فيها بولحواجب الحكم الذي اعترض الرجاء عليه قبل مباراة المغرب التطواني، فربط الكثيرون خسارة النسور بعبدة بلعنة غايبي وبولحواجب التي طاردت العالمي.
وبعيدا عن كل هذه الميتافيزيقيا وتزامن الأحداث التي جنت على الحلم الأخضر، كانت هناك أكثر من حقيقة حاضرة في شؤم الخاتمة الذي أجهز على العالمية الثالثة وحولها صوب تطوان.
حضرني إسم واحد لعله يكون هو أكثر من سلط لعنته على الرجاء وخاصة مدربه البنزرتي الذي حاول البعض إلباسه ثوبا أكبر منه وهم يستحضرون عودته القوية في البطولة، وحتى و إن كان هو من أبعد الرجاء عن الصدارة بتدبيره السيء لمواجهات (تطوان ذهابا والكوكب ذهابا وإيابا وسلا وآسفي).
مروان زمامة واحد من فلتات الكرة المغربية وواحد من الوجوه التي ذابت وسط زحمة الأحداث التي رافقت موسم الرجاء، فتى موهوب إختار العودة لفريق صنع نجوميته فقوبل باضطهاد وتعنت غريبين لمدرب كان يرى في اللاعب نشازا وعبئا على الفريق، وكلما اقترب مروان من العودة أبعده البنزرتي مسافات وكأنه الوحيد الذي يفهم في أصول الموهبة والمهارة.
وضعية زمامة داخل الرجاء لم يكن لها لتمر دون أن تسجل ضمن خانة نقاط الموسم السوداء لمكونات الفريق ولمدربه بتعاملهم الفج مع لاعب كان بإمكانه أن يشكل نقطة ضوء داخل خط وسط رجاوي افتقد لبصمة ولمسة مروان.
لن أتقبل وأنا العارف الجيد بقدرات مروان المنطلق غير بعيد عني وعن سلا، وبكونه صنع نجوميته وألمعيته بعصامية ناذرة بكرة أنجليزية لا تعترف لا بالعواطف ولا المجاملات، أن يأتي البنزرتي ويسقط صفة وهوية الإبداع عن اللاعب ويؤكد أن التعاقد معه كان معاملة خاسرة في الشكل والمضمون.
للأسف كان بالإمكان أفضل مما كان فيما يخص وضعية هذا اللاعب، والذي تغيرت أشياء كثيرة بداخله وهو يصر على العودة للرجاء بعد مسار طويل من الإغتراب والهجرة.
تغير مروان كان للأفضل سلوكا ونهجا وأخلاقا، لم يكافئ المدرب التونسي ولا حتى هو وجد من يوجهه ويوجه بوصلته صوب الوجهة الصحيحة، كل هذه النقلة الرائعة والمثمرة في سلوك هذا اللاعب المبدع، وكلما هم مروان بتأكيد العودة ويترجمها بالنية والعزم كان يجد البنزرتي أعذارا لإبعاده.
لم يكن ممكنا قبول منح مروان ثواني معدودة في مباريات شكلية ولا حتى تيئيسه وإحباطه بجعله محالا على الفريق الرديف وعنوانا لافتعال مشاكل أضرت بسنة من مسار المبدع مروان.
من حق البنزرتي اختيار من يراه مناسبا وصالحا للعزف على وتر الخطة التي كان يرى أنها تلائم أهدافه، لكن ما ليس مقبولا منه هو طعنه في موهبة اللاعب وكونه قال لواحد من مقربيه «نقطع ذراعي إذا كان هذا اللاعب إحترف بانجلترا»؟
فريق من حق الرجاء وبمرجعية الرجاء من الممكن أن يخطئ على مستوى تدبير تعاقد أو تعاقدين، لكن ما لم يكن مقبولا هو أن يسيء تدبير فيلق من لاعبين أحالهم خلال منتصف الموسم  على «الديفيدي» ومغادرة طوعية بمؤخر طلاق باهض أحيانا.
قد يكون البنزرتي ومن ظل يهمس في أذنيه وينفخ فيهما عاقب زمامة، لا لموهبته ولا لقصور في فكر اللاعب التكتيكي ولا لكونه لا يليق بفلسفته، وإنما لكون اللاعب محسوب على تركة واختيارات فاخر الذي ظل يطارد النسر التونسي مثل الشبح الذي حاول التخلص من كل بصماته داخل الفريق.
قرأ التونسي كل الحسابات إلا حساب واحد وهو أن لعنة مروان وغيره ممن ظلموا داخل الفريق كانت تهيء له مفاجأة بآخر جولة في صورة شؤم فاق كل توقعاته، وهو يسب ويلعن بآسفي عناصر لا يصل حجم عطائها لربع موهبة زمامة  «الرسام الصغير» كما سمته صحافة الأنجليز وليس فاخر يابنزرتي..