كانت عيني على مباراة ياسين إدمبارك واللوكسمبورغي في المواجهة التي وضعت فريقنا الوطني أمام اللوكسمبورغ عن منافسات المجموعة الثانية الأورو إفريقية الخاصة بكأس ديفيس، بينما هرب العقل إلى تجاويف الذاكرة، إرتد لسنوات ليستحضر تلك الأيام التي كان أفراد العائلة يتحلقون فيها حول شاشة التلفزة ليشاهدوا مباراة للبطل الخرافي يونس العيناوي أمام عمالقة التنس العالمي من القارات الخمس.
الأمر أشبه ما يكون بالهروب المعلن أفتاه وضع كارثي بات يعيشه التنس المغربي، الذي صعد ذات زمن إلى القمة العالمية مع الثلاثي الخرافي العيناوي، أرازي والعلمي ثم هوى إلى القعر حتى ما عاد بعد السفح سفح.
عندما كان المغرب بين كبار العالم يصاقر منتخبات التنس التي لها العراقة والصولات وثقافة المنافسة فرديا وجماعيا على الألقاب، كانت اللوكسمبورغ رقما ضعيفا في معادلة التنس العالمي، ولكنها كانت مؤمنة أن الصعود إلى القمة يحتاج إلى الصبر وإلى العمل وإلى منظومة رياضية متطابقة ومدعومة، فما كان غريبا أن يرتفع شأن تنس اللوكسمبورغ الدولة الصغيرة جدا ويصبح له لاعبون مصنفون بين أفضل خمسين لاعبا في العالم وأن يتدحرج مثل كرة التلج التنس المغربي فيصبح الحاضر حائطا للبكاء والنحيب على المجد الذي كان بالأمس الجميل بل ويصبح لاعبونا مصنفين ما بعد الخمسمائة.
صدمت لكل الذي شاهدته، وأنا هنا لا ألوم من قلدوا أمانة تمثيل التنس المغربي في كأس ديفيس وفي غيره من المحافل فهم صورة أصلية لواقع هذا التنس الذي جفت فيه أودية الإبداع وتصدعت بداخله كل الأحلام، ولكنني ألوم من حملوا أمانة التنس فضيعوا الإرث ومسخوا الهوية وسودوا الأفق أمام الناشئة، وأكثر من اللوم أمقتهم عندما يطلعون علينا في منابر الإعلام ليقولوا أن التنس المغربي يحتضر لضعف الإمكانيات ولضحالة الوسط، فقد كنت سأكبر فيهم شجاعة تقديم الإستقالة من مراكز القرار إحتجاجا على وضع شاذ، فذاك أفضل من أن يقاتلوا من أجل البقاء في قيادة تقود التنس رأسا إلى الفناء.
عندما أتفحص الفريق الوطني بلاعبيه ومدربيه، ولا أجد ما يذكرني بيونس العيناوي وبهشام أرازي وحتى بأوطالب وعرفة الشقروني ومنير لعرج، وأكثر من ذلك عندما أقف معجبا بكل الذي فعله كريم العلمي ليجعل من دوري الدوحة أحد أكبر الدوريات العالمية، أعرف لماذا ندمن الفشل في كل رياضاتنا؟ فلدينا قدرة غريبة على تهجير الأساطير إما لتخدم الآخرين وتصنع لهم المجد وإما لتموت في كهوف الإهمال والنسيان.
..........................................................................
ماذا يحدث للرجاء؟
سؤال ما فتئنا نطرحه منذ أنهى الخضر كأس العالم للأندية متوجين بلقب الوصافة وعادوا إلى البطولة ليواصلوا فيها جني الأصفار والكشف عن معطلات تقنية كثيرة تصيب بالذعر والفريق يتأهب لرهان عصبة الأبطال الإفريقية التي يدخلها من بوابة الدور التمهيدي.
كان هناك من يعتب على فاخر الصرامة التكتيكية التي تقيد اللاعبين وتنال من إبداعاتهم الفردية، وتصور كل من نادى بضرورة التغيير لرفع حالة الإحتباس أنه مع رحيل فاخر ستنجلي الغمة ويصبح الرجاء فريقا محررا من الأغلال الدفاعية، وما حدث شيء من ذلك بالبطولة الوطنية، فالبنزرتي لم يحقق أي فوز في البطولة ولم يحصل من ثلاث مباريات أمام الكوكب والمغرب التطواني والفتح سوى على نقطة وحيدة، والأدهى من كل ذلك أن الرجاء الذي أمتعنا في مبارياته الأربع بكأس العالم للأندية التي لعبها بأريحية كبيرة وبحافز معنوي لتحقيق النجاح، هذا الرجاء يجتر في البطولة نفس الصورة المحبطة التي كان عليها قبل المونديال، صورة الفريق الذي لا يعبر جيدا عن إمكانياته الفردية، الفريق الذي ينهار في لحظات مفصلية من عمر المباراة والفريق الذي لا يستطيع فرض شخصيته أمام الآخرين.
أنا هنا لست بصدد تقييم الذي أضافه التونسي فوزي البنزرتي للرجاء لأنني أعرف أن الأمر يحتاج إلى وقت، فهناك حاجة للإستقراء وللفهم ولتجريب أكثر من حل للمعضلات التكتيكية، ولكنني أسأل عن حجم تداعيات هذا الوضع الذي يشعر بالقهر النفسي ويصيب بالإحباط وعن السبيل لتطويق هذه التداعيات حتى لا يكون لذلك أي تأثير على لاعبين يواجهون في أول الخطو الإفريقي خصما سيراليونيا مجهولا وعصيا على الفهم، خصم لا بد وأن يذكرنا ببيركوم شيلسي الغاني الذي كان قد أسقط الرجاء قبل سنتين بالتمام والكمال من دور سدس عشر نهائي عصبة الأبطال الإفريقية عندما فاز عليه ذهابا بغانا بخماسية مدوية.