مثل أقراني وأبناء جيلي الذين عشش بداخل عقولهم «بوليسي» وهمي ظلوا يقدمون له فروض الإحترام الواجب، من فرط خشيتنا أولا من رجل الأمن واحترامنا ثانية لهيبة رجل الأمن، وحتى حين كان يبلغ بنا مدى الشغب والشبق الطفولي مداه، كان هناك من هو أكبر منا يخيفنا بـ «البوليسي».
اليوم صورة رجل الأمن التي هي من صورة هيبة الدولة تتكسر، والخطير في الأمر أن هذه الصورة النمطية تترسخ في ذهن وذاكرة جيل «السمارت فون»، يوما بعد يوم وتكبر في دماغه فلا يصبح لرجل الأمن ولا لفرد من القوات المساعدة مساحة احترام في خلد هذا الشاب وهذا المراهق.
مباريات الكرة في ملاعبنا الوطنية أصبحت تصدر صورة مقيتة لضرب رمز من رموز الدولة ورمز من رموز الهيبة وهو الأمن، من خلال تداول صور في غاية الحساسية والخطورة ويتم التعليق الساخر عليها، لرجل أمن يتم استهدافه بالركل من طرف مراهق أو رشقه بقارورة ماء أو حتى استهدافه بالعصا الغليظة وجها لوجه وهو ما كان يستحيل تصوره في زمن جيلنا وجيل محترم آخر سبقنا.
ما تم رصده بعد الديربي المشؤوم بالدار البيضاء من مظاهر وصور هو في واقع الأمر حالة وظاهرة ينبغي الوقوف عند ناصيتها طويلا وتشخيص تداعياتها الخطيرة بالشكل الدقيق والحصيف.
اليوم لم يعد رجل الأمن مثار خوف ولا هو مسؤول يفرض الإنتصاب الواجب تقديرا له كما عهدنا وكما تربينا على ذلك، لأن التعاليق الخطيرة التي تتناول ما تم رصده من طرف هؤلاء المراهقين السذج، ومن طرف هؤلاء الشواذ الخارجين عن نص الأخلاق هو في غاية الخطورة ويصنف ضمن ثقافتهم البئيسة فتحا من الفتوحات التي تجلب «اللايكات» في الفيسبوك وتحسب ضمن خانة الإنجازات وهناك من يعلن التحدي لمحاكاة هذه البطولية الممسوخة في المباراة المقبلة وهكذا دواليك.
هؤلاء «الضاسرين» لا يقدرون العواقب الوخيمة ولا يقيمون كبير وزن للأمهات الصارخات من فرط جنون معتوهين لا ينظرون أطول من أرنبة أنوفهم، ليتركوهن غارقات في بحور من الحزن بفعل المتابعات التي تطالهم لاحقا والعقوبات الحبسية التي تهدد مسارهم وتحولهم من طلاب يفيدون المجتمع لأصحاب سوابق مدانين مع سبق إصرار و تهور، وبعدها يصبحون قنابل موقوتة داخل المجتمع.
قبل الديربي يتذكر الجميع أحداث الخميس الأسود التي ترسخت في الذاكرة لما رافق مباراة الرجاء والجيش الشهيرة، والموسم المنصرم اجتياح جحافل من مناصري الجيش ملعب الفتح واعتدائهم على رجال أمن وأفراد من القوات المساعدة أمام مرأى العالم والقاصي أبلغ الداني وانتشرت الفضيحة ولا من يعتبر ولا من يتعض؟
شخصيا وهذا موقف يلزمني، يهمني أن تنتصر هيبة الدولة أولا، وأن تظل المؤسسات الأمنية التي ظلت منتصبة مدافعة عن حمى هذا الوطن شامخة وليذهب ألف ديربي وألف كلاسيكو للجحيم.
يهمني ويلزمني أمر رجل الأمن المغلوب على أمره والذي لا ينام ليلة ما قبل الديربي ويوم الديربي ويروح متورم الأقدام لبيته بعد الديربي واليوم صار يذهب لبيته متورم الخد ومنتفخ العين بفعل العلقة والطريحة التي يتلقاها من جمهور الديربي.
لا وألف لا، وليذهب 100 ديربي للجحيم إن كان سيكون مرادفا لهذه المشاهد الممسوخة التي تضرب قيم الأخلاق، وتصدر صورة لا هي مطابقة لواقع الهوية ولا الثقافة ولا حتى التربية التي نشأنا عليها.
أنا مع رجل الأمن بعصاه الغليظة، مع رجل الأمن بعزته وشموخه ولا يهمني لا الديربي ولا تيفو الديربي طالما أن فرجة الديربي ذهبت مع بتشو وغاندي.
الشاعر قال إنما الأمم أخلاق ما بقيت ولم يقل إنما الأمم الديربي ما بقي.. فلا يجب أن تذهب أخلاقنا كي لا نذهب بدورنا ولا عزاء لمن انتصر للديربي على مكارم الخلق وهيبة الوطن؟
آخر الكلام ما قاله أجدادنا «اللهم حاكم ظالم ولا إلترات سايبة».