لا أذكر أنني شاهدت الرجاء في وضع نفسي وتقني وتكتيكي مشابه لهذا الذي شاهدته أمس في المباراة التي وضعت النسور الخضر في مواجهة الدفاع الجديدي بملعب العبدي بالجديدة، ولكنني أجد للاعبي الرجاء أكثر من عذر في هذا الذي قدموه كأداء وكردة فعل وكتدبير لمباراة لعبوها أمام فريق يعيش هو الآخر وضعا نفسيا متأزما نتيجة تكالب العديد من الظروف القاهرة، ونجحوا في نيل نقطة منها، أنهت الأسابيع الثلاث العجاف التي تميزت بقحط رهيب ورث حالة من القهر والصدع والتشتت.
العذر الأول الذي ألتمسه للاعبي الرجاء هو أنهم ليسوا بشكيمة نفسية تستطيع أن تقهر كل الظروف المحبطة التي تتربص بالرجاء منذ الإنفصال عن المدرب الهولندي رود كرول، وما يحتاجه لاعبو الرجاء إسوة بلاعبي الوداد أن يكونوا بحجاب نفسي يقيهم من كل إنهيار نتيجة لأي ضغط يمارسه الجمهور عليهم وهو لا يقبل عن الفوز بديلا، وقد لمت في أكثر من مرة وأنا أوجد تبريرات موضوعية لفترات الفراغ التي مر منها الرجاء، من يكلفون بانتداب اللاعبين للرجاء، فلا يكفي أن يكون علو كعبهم والجانب المهاري في أدائهم الفردي معيارا لهذا الإنتداب، بقدر ما يجب إفتحاص الحالة النفسية لهؤلاء اللاعبين، مدى قدرتهم فعليا على تحويل وتصريف الضغط الرهيب الممارس من طرف الجماهير إلى طاقة إيجابية، محفزة على إطلاق الملكات الفردية لخدمة المجموعة.
أما ثاني الأعذار فهو ما تسبب فيه الشتات على مستوى التأطير التقني من تصدعات ضربت النواة الصلبة وأتلفت هوية اللعب وتركت الرجاء بشخصية مهزوزة لا تقوى على تحدي الإكراهات، ولا بد أن كل من شاهد الرجاء أمام الدفاع الجديدي إستفزه لحد القلق والإنزعاج ما شاهده من اللاعبين من رهبة حجبت مقدراتهم الفنية، ولكنني أشفق مقابل ذلك على لاعبين بلغوا حدا كبيرا من الشك في القدرات الفردية ثم الجماعية، لذلك أنا موقن أن التعافي من هذا الوجع الجماعي المحرض على الإحتقان والذي أصاب الرجاء نتيجة التفريط في كثير من مستلزمات النجاح التقني، يحتاج إلى مزيد من الصبر وإلى كثير من التضحيات، كما يحتاج إلى مقاربة جريئة يحضر فيها بتكامل كبير ما هو نفسي وما هو تقني ونفسي.
بالطبع لا أحتاج إقامة الدليل على أن هناك بالفعل صدعا نفسيا أورثه صدع تقني نجم عن إختيارات خاطئة وعن تدبير خاطئ لبعض اللحظات المفصلية في زمن الرجاء، فما قال رجال الرجاء أنها حلولا ناجعة أوجدت لإشكالات طفت على السطح من وقت لآخر، لم تكن في الواقع سوى تجميل لقبح تدبيري وتقني كان ظاهرا للعيان، إلا أن هناك اليوم حالة من الضياع لا بد من مواجهتها بكثير من الجرأة والحزم، فما ضاع هي هوية الرجاء وشخصية الرجاء، وعودة هذه الهوية لا يمكن أن تكون من دون قرارات مؤلمة.
قد يقول البعض أن من هذه القرارات المؤلمة أن يرحل عن الرجاء كل من أوصلوها لهذا التصدع التقني والنفسي، وقد يقول البعض الآخر أن تصحيح هذا الوضع المختل يحتاج إلى رجل تقني بفكر وبشخصية غير فكر وشخصية رشيد الطوسي، إلا أنني على يقين أن الطريق الأولى لمعرفة الخلل وتصحيحه بشكل تدريجي تبدأ من المعاينة الصحيحة التي تسمي الأشياء بمسمياتها، وقد يكون من حظ الرجاء فيما لو تجاوز بنجاح ما بقي له من مرحلة الذهاب وتحصل على أعلى رصيد من النقاط المتاحة في الخمس المباريات المتبقية من النصف الأول للبطولة الإحترافية، أن هناك توقفا للبطولة سيستمر لشهر كامل، وخلاله سيكون ممكنا أن يباشر الرجاء عملية التقويم والإصلاح بشرط أن تكون قد توفرت كل شروط القراءة العميقة والموضوعية لمسببات الإنتكاسة، عملية تنطلق من تحيين الترسانة البشرية بمعالجة ما ظهر فيها من إختلالات والتوقيع بكامل التجرد والنزاهة والمعرفة المسبقة بنوعية اللاعبين الذين تحتاجهم الرجاء في هذه الظرفية على انتدابات بالمقاس، وتستمر بعلاج موضعي للأورام النفسية التي كشفت عنها المرحلة الأخيرة وتنتهي بصياغة منظومة لعب تتناسب وأسلوب الرجاء الذي به تميز وتسيد وأمتع.
لا يبدو إخراج الرجاء من النفق المظلم الذي دخله بفعل تهور ذاتي أمرا مستحيلا، بالعكس فمتى توفرت الإرادة ومتى إقتنع الكل بوصفة العلاج، متى كان ممكنا أن نرى الرجاء في مرحلة الإياب بوجه مختلف تماما عن الوجه الذي نراه به اليوم، فما أكثر ما عاش الرجاء وضعيات شبيهة بالوضعية الحالية وجعلها بالإرادة الجماعية مجرد ذكرى من الماضي.