يعيبون عليه أنه قليل الكلام، قليل التواصل مع المحيط الكروي، ناذر الخروج إعلاميا حتى في أحلك اللحظات، عندما يستبد اليأس بالمؤطر والمدرب وصانع القرار داخل أندية لا تجلب إليها سوى المزاجيين من المسيرين، وعندما يكون لزاما الخروج إلى الرأي العام للكشف عن الحقائق المؤلمة وما أكثرها في مشهدنا الكروي.
ولن أختلف مع كل هؤلاء في أن الخرجات الإعلامية الناذرة والقليلة جدا للإطار التقني الرائع والكاريزماتي عبد الهادي السكيتيوي تتسبب لنا كإعلاميين في جلطة فكرية، وفي شرخ تواصلي وفي فتح هوة سحيقة يرمى فيها بكثير من التأويلات ومن الحقائق الجميلة والموجعة على حد سواء.
أنا من يعرف جيدا كيمياء عبد الهادي السكتيوي، لطالما أنني عايشت الرجل في مراحل دقيقة من مشواره الرياضي لاعبا ودارسا بالمعهد الملكي لتكوين الأطر ثم خريجا مبرزا يسال بطريقة معقلنة مساحة إشتغال في وسط تقني كان يعج وقتها بمن يوصفون اليوم بالعباقرة، أنا من يعرف الرجل بكل التركيبة النفسية والأخلاقية قبل الرياضية، وجدتني أنا الآخر أحمل سؤال العتاب والرجاء لعبد الهادي السكتيوي عن هذا الطوق الإعلامي الذي يضربه على نفسه وهو من يفترض أن يكون رجلا متواصلا باستمرار مع الرأي العام الرياضي مستقرئا وناقدا ومقترحا للبدائل عندما تشتد الأزمات، وبرغم ما أبديته على الدوام من تلكؤ في القبول بكل الدفوعات التي يقدمها السكتيوي لتبرئة نفسه من تهمة الصمت والتي لا يقبل إطلاقا أن توصف بأنها سكوت عن الحق، إلا أنني أجد نفسي مرغما على الإمثتال لرغبة عبد الهادي في أن يبتلع مكرها أو راضيا لسانه، وموقنا أن وراء هذا الإحجام عن الكلام المباح حكمة لا بد وأن نقدرها ورغبة لها ما يبررها يجب أن نحترمها ونحترم صاحبها.
إن أحجم عبد الهادي السكيتيوي عن الكلام حتى وهو يداس له على طرف أو ينكل به أو يشهر به إعلاميا، فلذلك مغزى دقيق هو أن السكيتيوي رافض تماما للدخول في ما يوصف اليوم بالردح الإعلامي، حيث تتم للأسف إستباحة الحرمات التقنية والضرب تحت الحزام والإسفاف الإعلامي وأيضا النيل جهارا بأخلاقيات المهنة.
يعرف عبد الهادي السكيتيوي أنه إن أخرج لسانه من جوف فمه جهر بحقائق موجعة وهو الذي لا يريد إصابة أي كان بأذى، وإن خرج من سردابه ليقول رأيه الذي يجب أن يسمع ويحترم، مال عليه أعداء النجاح ميلة واحدة فيكون مصيره هو نفس مصير مدربين مغاربة من ذوي الكفاءة العالية عوقبوا بالتهميش لمجرد أن ألسنتهم خرجت من أفواههم لتقول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.
مؤسف حقا أن يكون هذا هو الحال في مشهدنا الكروي الوطني، أن تنطلق ألسنة بعض من يسمون أطرا تقنية بما يرسخ الرداءة والميوعة في الخطاب التقني وبما يقسم قبيلة المدربين بين الوشايات والنفاق، وأن يسكت مدربون أكاديميون ومفكرون عن الكلام خوفا من أن تصيبهم سهام المكائد، مؤسف أن يكون المشهد الكروي الوطني اليوم مملوءا بالتراهات وعامرا بالكلام الساقط وصاخبا بالأحكام الجاهزة، بينما تطوير المنظومة الكروية الإحترافية يقتضي أن يحتل المشهد مدربون وازنون ينقدون ويقترحون ويحفظون لكرة القدم جانبها العلمي والإنساني ولا يخافون في قول الحق لومة لائم.
وجب إحترام ما إختاره عبد الهادي السكتيوي منهجا في العمل وأسلوبا في التعامل مهما إختلفنا أو إتفقنا معه، ووجب التنويه أيضا بروعة ما يصممه الرجل مع كل الأندية التي يتعاقب عليها، فالسكيتيوي إن تكلم إعلاميا قليلا أو لماما، فإنه يتكلم بسخاء كبير على أرضية الملاعب وهو يقدم لنا كل الفرق التي يدربها بالصورة التقنية التي تستوجب الإحترام والتقدير، فعلى الأقل يجب أن نعطي للسكيتيوي حقه كاملا كلما وجب الحديث عن نقاط الضوء الموجودة في مشهدنا الكروي الوطني، فهو وجه من أوجه تلك الإشراقات الجميلة بقوة الإبداع والعمل، فرب سكوت أبلغ من كلام، ورب كلام يثير الحروب، وما أصدق ما قاله لقمان الحكيم وهو يوصي إبنه:
«يا بني إذا إفتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك».