حيرني ما وقع داخل عرين المنتخب الوطني خلال آخر الأشهر وركبتني الحيرة أكثر وأنا أتابع تطورات مثيرة للأحداث ولهجات تغيرت ومواقف تلونت ومن كان مع الزاكي صار ضده ومن تحالف معه ذات يوم، اليوم هم أكثر من يرفعون بوجهه «إرحل وديكاج».
لم يتوحد الإعلام المغربي الرياضي قط كما توحد في مطلب عودة الزاكي، ونحن نتابع وصلات تعلم الحلاقة في رأس الأسود منذ رحل ذات يوم وهو يعود من رادس مقصيا من المونديال بشرف ومؤهلا لكأس إفريقيا للأمم بمصر، ويومها تصدى لقرار استقالته الكرتيلي وقابله بردهات مبنى الجامعة القديم بشارع ابن سينا ليمنعه من دخول مكتب الجنرال حسني بنسليمان وتسليمه قرار استقالته.
شهادة للتاريخ نحملها للكرتيلي وهو بكامل لياقته يومها حين قال للزاكي بالحرف «لو استقلت سترتكب جريمة بحق نفسك وبحق هذا المنتخب الوطني، فمازال خير كثير أمامنا».
لم يعبأ الزاكي لقول الكرتيلي وأصر كالموج العاتي على فرض منطق هيجانه ولحق بمكتب رئيس الجامعة وأصر على استقالته بعدما ضاق ذرعا يوما بما كان يحاك ويفصل في الكواليس ضده.
يومها ردد الجمهور المغربي الكروي بطبيعة الحال كله إسم الزاكي، وحتى مع تعاقب أسماء كتروسيي وهنري ميشيل ولومير والتركيبة الرباعية وغيرتس والطوسي، لم يسلم ملعب من ملاعب البطولة الإحترافية ولا مباراة للمنتخب الوطني من ترديد نفس اللازمة «الشعب يريد الزاكي» أو بالدارجة «بغينا الزاكي».
صيف 2014 وبتزامن مع يوم احتفال الشغيلة بعيدها العالمي أعلن فوزي لقجع عن القرار الذي لم يقدر عليه من سبقوه وهو تنصيب الزاكي باسم العقل والمنطق والحكمة والإستجابة لنبض الشارع الرياضي، وهي الخطوة التي باركها الجميع ووصفوها بعين العقل والحكمة.
لكن لا أحد والزاكي يمضي بعرين الأسود سنة ونصف أن يتحول كل هذا الحب الجارف والهادر، وكل هذا التعاطف القوي لكراهية وتشكيك في قدرات الرجل والربان وتنقيص من قيمته التقنية وتبخيس لحق المهنة والنظرة الثاقبة للأمور ومعالجة المباريات.
لا أحد تصور أن يصبح الزاكي اليوم على رأس قائمة المطالبين بالمغادرة، ومن يردد هذا الموال أكيد لم يستفد من دروس الماضي ومن آثار تحويل الفريق الوطني لحقل تجارب واختبار.
قد يكون الزاكي وهذا حدث بالفعل أخطأ على مستوى مقاربة مناقشة مباراة باطا وحتى لقاء أكادير، لكن من لا يخطئ لا يستفيد ولا يرتقي ولا ينجح وهي قاعدة معروفة و شهيرة، ومن يتغاضى عليها اليوم باستهداف الزاكي أو ضربه بالقنابل العنقودية هم بالفعل أصحاب ذاكرة قصيرة لم يستوعبوا ما تجرعه المنتخب المغربي من هزات وكوارث بسبب خياطة ثوبه بأكثر من لون خلال السنوات الأخيرة.
تردنا أخبار وقصاصات كثيرة من مسؤولين هم أنفسهم من استماتوا في الدفاع عن الزاكي وقناعات الزاكي وأسفار الزاكي، قبل أن تفرز مباراة باطا رجة عنيفة على مستوى مواقفه ويتغيروا بشكل عمودي ليؤكدوا الحاجة لإجراء تعديلات على قوام الطاقم التقني للأسود ليصبح أكثر رشاقة ودنامية.
هناك اليوم من يروج لحكاية ثنائية الزاكي وفاخر ومن يجزم بقبول الإثنين للقرار وللقطبية الثنائية الحالمة التي طالما تمنيناها فليدلنا على سر المعلومة وسر التأكيد لديه.
وهناك من يتحدث عن تغيير في أفراد الطاقم التقني وغيرها من الأمور، دون النظر والإنتباه لما يمكنه أن يحدثه هذا الأمر على الزاكي من انتفاخ الأمعاء وارتفاع نسبة الغاز بها ولربما تقيأ الرجل وكشف عن ردة فعل أعنف من تلك التي قام بها سنة 2005 وهو يعود من رادس.
فتشت في كتاب أسرار الزاكي والتمست له عذرا بدل الألف لعلّي أهتدي لواحد من مسببات شروده وكيف أنه أخطأ بباطا، هذا إن نحن أقنعنا أنفسنا كونه أخطأ رغم أن الرجل يصر على أن العاهات التي عرفتها تركيبة الفريق الوطني والإعاقات التي عاشها بفعل الإصابات تحير العاقل وتفقد الحكيم حكمته ومع ذلك تجاوزها بنجاح وتوفيق.
فتشت فخلصت لهذا العذر الذي تجاهله كثيرون ممن استلوا شفرات الحلاقة من جيوبهم لـ «تشرميل» الزاكي، خلصت لحقيقة مأساة إنسانية عاشها الزاكي الإنسان وليس المدرب، كونه فقد قبل مباراة غينيا ذهابا عزيزا غاليا عليه وهو نجل شقيقه سعيد بادو بكل ما أحدثه المصاب من ضرب للمعنويات وهدم للفرحة وإصابة قدرات التفكير والإبداع بالشلل.
وأنا أصل لهذه الحقيقة وجدتني ملزما بمناصرة الزاكي ظالما أو ظالما ومرة أخرى وليس مظلوما، فليس سهلا على رجل كان يتحرك في التداريب ورحلة باطا بالوخز بالإبر وتعاطي العقاقير المهدئة أن يدير ظهره لجانب الإنسان بداخله ويتجرد من كل عواطفه ويفرز لنا  قناعا آخر لا يبالي بما حدث.
الزاكي في هذا المقام هو عزيز قوم الذي يستحق منا الرحمة، وهو الجواد الذي ينهض سريعا من كبواته وثقتي كبيرة في أن للزاكي كبرياء إذا مس فإنه يصاب بالهيجان ليرد بطريقته التي أتمنى أن تحضر في دور المجموعات فتقنعني أني لم أكن على خطإ طيلة هذه السنوات وأنا أستميت في الإعتراف بالزاكي حارسا للمعبد الأطلسي وباستحقاق كبير.