ما شاهدناه بالأمس بباطا الغينية الإستوائية والفريق الوطني ينتزع بصعوبة بالغة تأشيرة العبور إلى دور المجموعات الحاسم والذي سيسمي المنتخبات الخمسة الممثلة للكرة الإفريقية بمونديال 2018، يقول فعلا أننا أدمنا العيش في جلباب المعاناة، وأن كل أفراحنا تولد من رحم الخوف والإرتباك والتوجس.
قطعا ما قال أحد بيننا أن الفريق الوطني سيكون بباطا في نزهة وهو يناقش مباراة إياب معقدة أمام غينيا الإستوائية، بعد هامش الأمان الذي تحصل عليه في مباراة الذهاب هنا بأكادير وهو يتقدم بهدفين نظيفين، ولكن ما لم نكن ننتظره أن يختار الفريق الوطني وعلى رأسه الزاكي بادو ذاك المسلك التكتيكي الصعب والمبهم لنمشيه جميعا لمدة 90 دقيقة ملأى بالقلق وبالنزيف المعنوي قبل أن تأذن لنا الظروف بحسم المواجهة بفارق هدف بعد أن خسرنا مباراة الإياب.
قلنا في عدد الجمعة ونحن نرصد لتداعيات مباراة الذهاب هنا بأكادير أن المنتخب الوطني سيكون أمام جحيم بباطا بالنظر لحجم المشاكسة التي يصلها البرق الغيني عندما يلعب بميدانه، وتوقعنا أن يكون هذا الجحيم عنيفا وقاسيا إلى الدرجة التي لا تبقي للأسود أي هامش للخطأ، إلا أن جحيم باطا لغاية الأسف كان صناعة مغربية أكثر منه صناعة غينية إستوائية، فالملعب لم يشكل للأسود حاجزا نفسيا مخيفا لأنه مع إنطلاق المباراة كان شبه فارغ، ولكن ما كان جحيما لا يطاق إختاره المنتخب الوطني بمحض إرادته ومن خلال التشكيلة والشاكلة التي تم وضعها للمباراة ومن خلال نوعية التنشيط التكتيكي لهذه الشاكلة، ما سمح لمنتخب غينيا الإستوائية بأن يتسيد المباراة، أن يسجل هدفا وأن يعتصرنا نفسيا وبدنيا ولو كان له مؤهل جماعي وعمق تكتيكي في البناء أكثر مما هو له لمحدودية لاعبيه لكانت المحصلة ستكون كارثية، ولكنا اليوم في عداد المقصيين والمبعدين من دور المجموعات.
شخصيا لم أفهم مهما كانت القراءات التقنية ناجحة ومهما كانت زاوية الرؤية واضحة، أن يعمد الزاكي إلى هذا الإنقلاب النوعي الذي أحدثه على التشكيل البشري ومنه على الشاكلة وما ترتب عن ذلك من متغيرات تكتيكية، لم أفهم أن يعطي الزاكي بادو الإنطباع ظاهريا وهو يلعب بمهاجمين صريحين، يوسف العرابي وياسين بامو، على أنه يدخل المباراة بفكر هجومي متزن ومتوازن، مع أن حقيقة الأمر أننا بالغنا باللعب بأحزمة دفاعية، فتركنا المساحات للمنتخب الغيني منها يقتات ومنها ينطلق ومنها يسجل ومنها يجعلنا نعيش 90 دقيقة من الكوابيس.
أكره الزاكي على اللعب من دون سقاءيه كريم الأحمدي ومنير عوبادي وكانت تلك إعاقة تكتيكية بمؤثرت فعلية، إلا أنه سيأتي لهذه المباراة فيلعب بعصام العدوة وعبد الرحيم الشاكير مفضلا الأخير على مروان سعدان الذي لعب مباراة الذهاب، ولو تجاوزنا المخاطرة باللعب بتركيبة جديدة على مستوى وسط الإرتداد، فإننا سنقف على مجازفة أخطر عندما يقرر الزاكي اللعب بوسط الهجوم والربط مشكلا من فيصل فجر وعدنان تيغادويني وهما معا يظهران لأول مرة مع الفريق الوطني في مباراة مفصلية، حاسمة ولا تقبل أبدا بالأخطاء من أي طبيعة كانت ومنها أخطاء البدايات الدولية، هذا الوضع أنتج حالة من فقدان التوازن، إذ تعطلت الكثير من الأدوار الإستراتيجية التي توكل في العادة لوسط الميدان بخاصة في مثل هذه المباراة التي يكون لزاما فيها إمتصاص ضغط المنافس والإحتفاظ أكثر بالكرة والبناء الهجومي المتزن، ولو أن الزاكي سيبادر لتصحيح هذا الإختلال بإدخال عمر القادوري مكان تيغادويني قبل نهاية الشوط ألأول بدقائق.
أستطيع أن أفهم الكثير من الأشياء ومن المعطلات التي تحول بين فريق وبين أن يقدم صورة تتطابق مع ممكناته البشرية، وأستطيع أن أفهم ما يفعله الضغط النفسي باللاعبين، إلا أن ما قالته المباراة في عمومها أن الإختيارات التكتيكية ظلمت الكثير من اللاعبين فانعكس ذلك سلبا على الأداء الجماعي ولو أن أسود الأطلس سيبدون مقاومة كبيرة للمد الهجومي الغيني الإستوائي، وعندما لا يستطيع أي فريق الحضور بإيجابية على مستوى البناء يكون ضروريا أن نسأل عن الجدوى من اللعب بمهاجمين صريحين وليست هناك أي خطوط للإمداد؟ وأن نسأل باستنكار، هل كنا نلعب هذه المباراة أيضا بنقص عددي بعد أن لعبنا شوطا كاملا من عمر مباراة الذهاب منقوصين من كاروشي؟
وننتهي عند التقييم السريع لمباراة باطا وما تداعى من حولها، إلى سؤال آخر، هو: هل بالغنا في إبداء الإحترام للمنتخب الغيني الإستوائي؟
ومنه نمر إلى سؤال المرحلة..
هل نستحق بهذا الفريق وبهذه الإختيارات البشرية والتكتيكية أن ننافس على إحدى البطاقات الخمس الممنوحة للمنتخبات الإفريقية لحضور نهائيات كأس العالم 2018 بروسيا؟
كإجابة فورية وغير مشروطة ولا تقبل بالعواطف نعترف أن ما شاهدناه من المنتخب الوطني في مباراة باطا لا يؤهل أبدا للوصول إلى المونديال، فإن لم نسارع إلى تصحيح ما كان من إختلالات وإن لم يقاوم الناخب الوطني بعض النزعات الدفاعية وما يرافقها من هوس تكتيكي ويعود إلى ثوابته التي لطالما دافع عنها، فإنه سيكون من عاشر المستحيلات أن يعاود المنتخب الوطني الحضور في المونديال، هو من غاب عنه لأربع دورات متتالية.
مؤكد أن هناك هامشا للتفكير قبل الشروع في دور المجموعات الحاسم بمبارياته الست، وهناك متسع من الوقت للزيادة في جرعات النضج لدى منتخب يجد صعوبة بالغة في القطع مع سنوات الضياع.